أيام البرد، تدخلهم في الدفء، وتمسكهم بأسنانها، لكن لا تؤثر فيهم شيئاً؛ لأنها تمسكهم إمساك رحمة، حتى إذا فطموا واستقلوا بأنفسهم، بدأت تطردهم؛ لأن الله يلقي في قلبها الرحمة ما داموا محتاجين إليها، ثم بعد ذلك يكونون مثل غيرهم.
فالشاهد أن محبة القرابة محبة طبيعية، لكن إذا كان قريبك من عباد الله الصالحين، فأحببته فوق المحبة الطبيعية فأنت أحببته لله.
((أن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه؛ كما يكره أن يقذف في النار)) يعني: يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه.
وهذه ظاهرة فيمن كان كافراً ثم أسلم، لكن من ولد في الإسلام فيكره أن يكون في الكفر بعد أن من الله عليه بالإسلام كما يكره أن يقذف في النار، يعني أنه لو قذف في النار لكان أهون عليه من أن يعود كافراً بعد إسلامه، وهذا والحمد لله حال كثير من المؤمنين. كثير من المؤمنين لو قيل له: تكفر أو نلقيك من أعلى شاهق في البلد أو نحرقك لقال: احرقوني. ألقوني من أعلى شاهق ولا أرتد من بعد إسلامي.
وهذا مراد الردة الحقيقية التي تكون في القلب، أما من أكره على الكفر فكفر ظاهراً لا باطناً، بل قلبه مطمئن بالإيمان، فهذا لا يضره لقوله تعالى:(مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ)[النحل: ١٠٦، ١٠٧] ، لما