والثاني اشتباه في الحال، فالإنسان الورع هو الذي إذا اشتبه الأمر عليه تركه إن كان اشتباهاً في تحريمه، وفعله إن كان اشتباهاً في وجوبه لئلا يأثم بالترك.
ثم إن المؤلف رحمه الله ذكر آيتين في هذا الباب، قال رحمه الله:(وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ ٌ)(النور: ١٥)
(وَتَحْسَبُونَهُ) الضمير يعود على ما تلقَّاه الناس من حديث الإفك الكذب في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وذلك أن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: كانت زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وكان المنافقون يتربّصون بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يشوهوا سمعته، ويدنسوا عِرضه، فحصلت غزوة من الغزوات، فلما قفل النبي صلى الله عليه وسلم راجعاً منها نام في أثناء الطريق، وكانت نساء النبي صلى الله عليه وسلم لهن رجال يساعدون في ترحيلهن.
فلما كان في آخر الليل ذهبت عائشة رضي الله عنها لقضاء حاجتها فجاء الذين يحملون الهودج الذي تركب فيه فحملوه على البعير وشدوه عليه، وظنوا أنها كانت فيه؛ لأنها كانت في ذلك الوقت صغيرة السن خفيفة الوزن.
ثم سار الركب، فلما رجعت عائشة رضي الله عنها إلى المكان وجدت الناس قد رحلوا، فكان من ذكائها وثبات جأشها وطمأنينتها أن بقيت في المكان، فلم تذهب تتجول يميناً وشمالاً؛ لأنها لو ذهبت ربما ضاعت وضيعوها، لكنها بقيت في مكانها، وكان رجل من خيار الصحابة يُقال له: صفوان بن المعطل نائماً، وكان من قوم إذا ناموا لم يستيقظوا إلا إذا شبعوا