فاستيقظ صفوان رضي الله عنه فوجد الناس قد رحلوا، ورأى هذا الشبح؛ هذا السواد، فأقبل إليها، فإذا هي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وكان يعرفها قبل أن ينزل الحجاب، فماذا صنع هذا الرجل؟
هذا الرجل أناخ البعير، ولم يتكلم بأي كلمة احتراماً لفراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يريد أن يتكلم مع زوجته في مثل هذا المكان، أناخ البعير، ووضع رجله على ساق البعير وعضده، فركبت عائشة رضي الله عنها، فأخذ الزمام وجعل يقود البعير، ليجعل عائشة خلفه.
فلما أقبل على القوم تكلَّم المنافقون، ورأوا أن هذه فرصة، وقالوا في عائشة ما هم فيه كاذبون؛ امرأة في سفر مع رجل تتأخر عن القوم، فصاروا يتكلمون في عِرض عائشة، وهم لا يريدون عِرض عائشة، ولا تهمهم فتاة عند زوجها، الذي يهمهم تدنيس فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)(التوبة: ٣٠) .
فجعلوا يتكلمون، وكان من حكمة الله عزّ وجلّّ أن عائشة لما قدموا المدينة مرضت وبقيت في بيتها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل عليها، ولم تر منه ما كانت تراه في السابق، كان يمر ويقول:((كيف تيكم)) ، يعني: كيف هذه؟ لا يسأل ويلح ويقول: كيف هي اليوم؟ عساها أحسن من أمس، وما أشبه ذلك، ولكنه يقول هذه الكلمة؛ لأن كلام المنافقين قد شاع في المدينة وصار عند بعض المؤمنين تردد، والرسول عليه الصلاة والسلام كان لا يشك في أهله، ويرى أن الله عزَّ وجلَّ يأبى بحكمته أن يدنِّس فراش