ولم يكن ليصدق بهذا أبداً، لكن مع كثرة الكلام وكثرة القرع وكثرة الإرجاف، تردد الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمر، وبعد أن مضى نحو شهر خرجت عائشة رضي الله عنها وخالتها أم مسطح بن أثاثة، خرجت تقضي حاجتها، وكانوا في هذا الوقت ليس عندهم مراحيض في البيوت، إذا أراد الواحد أن يقضي حاجته خرج إلى الخلاء وبحث عن مكانٍ مطمئنٍ نازلٍ وقضى فيه حاجته.
فخرجت عائشة مع خالتها أم مسطح إلى مكان قضاء الحاجة، فعثرت أم مسطح، فقالت: تعس مسطح، تقول أم مسطح: تعس مسطح فاستغربت عائشة كيف تقول لرجل من المهاجرين شهد بدراً تقول فيه: تعس مسطح، فقالت: لم تقولين هذا الكلام؟ لأن معنى تعس خسر وهلك، فقالت: أما علمت بكذا وكذا وكذا، وأخبرتها بقصة الإفك، وإن مسطحاً كان ممن صدَّقوا تلك الفرية، فازدادت عائشة رضي الله عنها مرضاً إلى مرضها، وصارت تبكي ليلاً ونهاراً لا يرقأ لها دمع، ولا تهنأ بعيش.
وبينما الأمر كذلك حتى انتهى نفاق المنافقين إلى الرأس، أنزل الله فيها هذه الآيات الكريمة:(إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ)(النور: ١١) يعني طائفة منكم (لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) سبحان الله!! هذا الإفك والرمي بالفاحشة لا نحسبه شراً؟ نعم لا نحسبه شراً، بل هو خير لكم؛ لأنه حصل به من تمحيص الذنوب ورفعة المقامات، والدفاع عن عرض الرسول عليه