للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجَاهِلِينَ) (لأعراف: ١٩٩) ، قال خذ العفو ولم يقل أعف ولا أفعل العفو، بل قال: (خُذِ الْعَفْوَ) والمراد بالعفو هنا ما عفا وسهل من الناس؛ لأن الناس يعامل بعضهم بعضاً، فمن أراد من الناس أن يعاملوه على الوجه الذي يحب وعلى الوجه الأكمل؛ فهذا شيء يصعب عليه ويشق عليه ويتعب وراء الناس.

وأما من استرشد بهذه الأية، وأخذ ما عفا من الناس وما سهل، فما جاء منهم قبله، وما أضاعوه من حقه تركه، إلا إذا انتهكت محارم الله، فإن هذا هو الذي أرشد الله إليه؛ أن نأخذ العفو، فخذ ما تيسر من أخلاق الناس معاملتهم لك، والباقي أنت صاحب الفضل فيه إذا تركته.

(وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) يعني: مُر بما يتعارفه الناس ويعرفه الشرع من أمور الخير، ولا تسكت عن الأمر بالخير إذا كان الناس أخلوا به فيما بينك وبينهم أفعل ما تشاء في حقك، لكن الشيء المعروف ينبغي أن تأمر به.

(وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين) المراد بالجاهل هنا ليس هو الذي لا يعلم الحكم؛ بل الجاهل السفيه في التصرف، كما قال الله تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ) أي بسفاهة (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِم) (النساء: ١٧) .

فالجاهلون هنا هم السفهاء الذين يجهلون حقوق الغير، ويفرطون فيها، فأعرض عنهم ولا تبال بهم، وأنت إذا أعرضت عنهم ولم بتبال بهم فإنهم سوف يملون يوتعبون، ثم بعد ذلك يرجعون إلى صوابهم، ولكن إذا عاندتهم أو خاصمتهم أو أردت منهم أن يعطوك حقك كاملاً، فإنهم ربما بسفههم يعاندون ولا يأتون بالذي تريد.

<<  <  ج: ص:  >  >>