وثانياً: أن ما يحفظه الشاب يبقي، وما يحفظه الكبير ينسي، ولهذا كان من الحكمة الشائعة بين الناس:((إن العلم في الصغر كالنقش في الحجر)) لا يزول.
وفيه فائدة ثالثة: وهي أن الشاب إذا ثقف العلم من أول الأمر صار العلم كالسجية له والطبيعة له، وصار كأنه غريزة قد شب عليه فيشب عليه.
فهذا الساحر ساحر كبير قد تقدمت به السن وجرب الحياة وعرف الأشياء. فطلب من الملك أن يختار له شاباً غلاماً يعلمه السحر، فبعث إليه غلاماً، فعلمه ما علمه، ولكن الله تعالي قد أراد بهذا الغلام خيراً
مر هذا الغلام يوماً من الأيام براهب، فسمع منه فأعجبه كلامه، لأم هذا الراهب- يعني العابد- عابد لله عز وجل، لا يتكلم إلا بالخير، وقد يكون راهباً عالماً لكن تغلب عليه العبادة فسمي بما يغلب عليه من الرهبانية، فصار هذا الغلام إذا خرج من أهله جلس عند الراهب فتأخر على الساحر، فجعل الساحر يضربه، لماذا تتأخر؟ فشكا الغلام إلي الراهب أمر يتخلص به، قال: إذا ذهبت إلي الساحر وخشيت أن يعاقبك فقل: عن الساحر أخرني؛ حتى تنجو من هذا ومن هذا.
وكان الراهب- والله أعلم- أمره بذلك- مع أنه كذب - لعله رأي أن المصلحة في هذا تربو على مفسدة الكذب، مع أنه يمكن أن يتأول!!