الله ـ عز وجل ـ بعد أن ذكر الهداية، لأن في الهداية غذاء القلب بالعلم والإيمان، والجوارح بالعمل الصالح.
أما الطعام والشراب والكسوة فهي غذاء البدن، لأن البدن لا يستقيم إلا بالطعام، ولا يستتر إلا بالكسوة، ولهذا قال:(يا عبادي، لكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم) وصدق ربنا ـ عز وجل ـ كلنا جائع إلا من أطعمه الله، ولولا أن الله تعالى يسر لنا ما يكون به طعامنا لهلكنا، يقول الله تعالى مبيناً ذلك في سورة الواقعة:(أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) .
والجواب: بل أنت ـ يا ربنا ـ الذي زرعته، لأن الله يقول:(لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (الواقعة: ٦٥، ٦٧) ، وتأمل كيف قال تعالى:(لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً) ، ولم يقل: لو نشاء ما أنبتناه، لأنه إذا نبت وشاهده الناس؛ تعلقت به قلوبهم، فإذا جعل حطاماً بعد أن تعلقت به القلوب؛ صار ذلك أشد نكاية، ولهذا قال تعالى (لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً) ، ولم يقل لو نشاء ما أنبتناه.
وقال تعالى:(أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ)(الواقعة: ٦٩) ، يعني: من السحاب، (أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ) ؛ لأن الماء الذي نشرب من السحاب، ينزله الله ـ عز وجل ـ على الأرض فيسلكه ينابيع، يدخله في الأرض، ويجري فيما تحت الأرض كالأنهار، ثم يستخرج بالأدوات التي سخرها الله ـ عز وجل ـ في كل وقت بحسبه، وهذا من حكمة الله ـ عز وجل ـ أن استودع الماء في بطون الأرض، ولو بقى على ظهر