قال: وكان القاضي منذر بن سعيد من ذوي الصَّلابة في أحكامه والمهابة في أقضِيَتهِ وقوّة القلب في القيام بالحقّ في جميع ما يجري على يديه، لا يهاب في ذلك الأمير الأعظم فمن دونه، ومن مَشهور ما جرى له في ذلك قِصّته المشهورة في أيتام أخي نَجدة حدّث بها جماعة من أهل العِلم والرّواية، وهي أن الخليفة الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد احتاج إلى شراء دار بقُرطبة لحظيّة من نسائه تَكرُمُ عليه فوقع استِحسَانه على دارٍ كانت لأولاد زكريّا أخي نَجدة، وكانت بقرب النشّارين في الرَّبَض الشرقي منفصلة عن دوره، يتصل بها حمّام العامّة، له
غُلَّة واسعة وكان أولاد زكريا أخي نَجدة أيتاماً في حِجر القاضي، فأرسل الخليفة له من قوّمها بعدد ما طابت به نفسه، وأرسل أناساً أمرهم بمداخلة وصيّ الأيتام في بيعها عليهم، فذكر أنه لا يجوز إلا بأمر القاضي، إذ لم يَجُزْ بيع الأصل إلا عن رأيه ومشورته، فأرسل الخليفة إلى القاضي منذر في بيع هذه الدار، فقال