وذكروا أن رسول الخليفة الناصر لدين الله جاءه غداة ذلك اليوم فحرّكه للخروج عزمه عليه، والسابقون متسابقون إلى المُصلَّى، فقال للرسول وكان من خواصّ حلفاء الصفاء إليه: فياليت شعري ما الذي يصنعه الخليفة سيّدنا؟ فقال له: ما رأينا قط أخشع منه في يومنا هذا، إنه لمنتبذ حائر منفرد بنفسه لابس أخشن الثياب، مفترش التراب، قد رمى به على رأسه ولحيته وبكى واعترف بذنوبه وهو يقول: هذه ناصيتي بيدك، أتراك تعذب الرّعية وأنت أحكم الحاكمين، لن يفوتك شيء منيّ، قال: فتهلّل وجه القاضي منذر بن سعيد عندما سمع من قوله، وقال: يا غلام أحمل المِمطَر معك، فقد أذن الله تعالى بالسُّقيَا، إذا خشع جبّار الأرض، فقد رَحِمَ جَبَّار السَّماء، وكان كما قال فلم ينصرف الناس إلاّ عن السُّقْيا.