وحكى عنه قاسم بن أحمد الجُهنيّ أنه ركب يوماً لحيازة أرض محبَّسة، في رَكبٍ من وجوه الفقهاء وأهل العدالة، فيهم أبو إبراهيم اللّؤلؤي، ونظراؤه قال: فسرنا نقفوه وهو أمامنا، وأمامه أمناؤه يحملون خرائطه، وذووه عليهم السّكينة والوقار، وكانت القضاة حينئذ لا تُراكب ولا تُمَاشى، فعرض له في بعض الطريق كلاب مع مُستَوحمة وهي تَلعَق هَنَها وتدور حولها، فوقف وصرف وجهه إلينا وقال: ترون يا أصحابنا ما أبرّ الكلاب بالهنّ الذي تلعقه وتكرمه، ونحن لا نفعل ذلك، ثم لوى عنان دابّته وقد أضحكنا، وبقينا متعجّبين من هَزله.
وحضر عند الحكم المستنصر بالله يوماً في خُلوة له في بستان الزهراء على بركة ماء طافحة، وَسط روضة نافحة، في يوم شديد الوهج، وذلك إثرَ مُنصَرفِهِ من صلاة الجمعة، فشكا إلى الخليفة من وَهج الحرِّ الجَهد، وبثَّ منه ما تَجاوَزَ الحدّ فأمره بخلع ثِيَابه والتّخفيف عن جِسمِهِ، ففعل ولم يُطفِ ذلك ما به، فقال له: