للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه أولى خطوات التمييز والغربلة فالله تعالى أراد لاهل هذه البيعة رضواناً ومغفرة فلحق من كان اهلاً له وقعد من لا خير فيه من أهل النفاق.

ومن ثم أعلنت قريش طوارءها واستنفارها للحرب بكل ما اوتيت من قوة ومن بأس فأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ممثلاً عنه- يوضح الصورة بأنهم إنما خرجوا معتمرين فقط! لا محاربين!!.

فلما وصل عثمان - رضي الله عنه - حبسته قريش، واشيع انه قتل، فلما بلغ الخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لا نبرح حتى نناجز القوم فدعا إلى بيعه على الموت تحت الشجرة.

وهنا يتجلى امتحان اخر وهو: ان المعركة غير متكافئة فالاسلحة التي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وجنده لا تتجاوز السيوف والخناجر فقط.، ولكن ما ان سمع اولئك التلاميذ الابرار هذه الدعوة من استإذهم وقائدهم لبوا نداء الموت .. لبوا وقلوبهم ترفوا إلى الجنة وكاني بها تنادي:

يا حبذا الجنة واقترابها طيبةً وبارداً شرابها (١).

فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ياخذ بيد اصحابه الواحد تلو الاخر واخيراً اخذ يده الشريفة وبايع عثمان - رضي الله عنه - وقال هذه عن عثمان.-فهنيئاً لعثمان-وكان يفتخر بها ايما افتخار، وحق له ذلك.

ولما تمت البيعة وصل الامر أنّ عثمان - رضي الله عنه - حيٌّ وان خبر قتله باطلٌ (٢).

فيالله ما أعجب هذه الثلة العظيمة من الأصحاب .. خرجوا معتمرين، وألحوا عليه أن ياخذوا اسلحتهم فابى - صلى الله عليه وسلم - وها هو يدعوهم إلى الموت فيلبوا بل يتزاحمون إلى بيعة -حتى سميت بيعة الرضوان-بيعة على الموت.

ولا ننسى ان الصف قد طهر من المنافقين اصلاً، والآن يمر بامتحان عسير وينجح به ايما نجاح!! فكافأهم الله تعالى الذي يراهم ويراقب الامور ((لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فانزل السكينة عليهم واثابهم فتحاً قريباً)) (٣).

قلوبهم مطمئنة ان الله معهم، ان الله ناصرهم، ان الله يبايع معهم ((يد الله فوق ايديهم)).

((واني اليوم ومن وراء هذه القرون الطويلة احاول ان استشرف تلك اللحظة


(١) هذا البيت لسيدنا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه أنظر فقه السيرة، الغزالي ص٣٤٩.
(٢) انظر فقه السيرة، الغزالي ص٣٤٩، وفقه السيرة، البوطي ص٢٤٨.
(٣) الفتح/ ١٨.

<<  <   >  >>