للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الاثار الأخرى.

فهذه النصوص تُفهم أنْ في الجنة منازل متفاوتة بتفاوت الدرجات وبتفاوت الحسنات وأنّ فيها أناساً متميزين فهُم سادة ووجهاء. يقول إبن كثير في تفسير الاية " وجيها في الدنيا والآخرة ... " التي مرت أعلاه: "أي له وجاهة ومكانة عند الله في الدنيا بما يوحيه الله إليه من الشريعة وينزله عليه من الكتاب وغير ذلك مما منحه الله به وفي الدار الآخرة يشفع عند الله فمن يأذن له فيه، فيقبل منه أسوة بأخوانه من أولي العزم " (١) وهذا لا يعني أنّ كل الشفاعة سادة، فقد يشفع الشفيع إكراما له وتقديرا، وليس بالضرورة أنْ يكون وجيها أو سيدا في ذلك المقام، ومن ذلك شفاعة المؤمنين لأخوانهم، فقد صح من حديث إبن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعاً:" ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه" (٢). فليست هذه الشفاعة إكراما للمشفوع له، وليست لإبراز الوجهاء والسادة، وإنما إكراما لانتمائهم إلى الاسلام.

وقد يشفع الشافع لتطييب خاطرِهِ، وليست مغفرة للمشفوع له، كشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمه أبي طالب، فقد اخرج البخاري وغيره من حديث العباس بن عبد المطلب - رضي الله عنه - أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أغنيت عن عمك، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال:"هو في ضِحضاحٍ من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الاسفل من النار)) (٣). قال العلامة العيني: ((هذا النفع من بركة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخصائصه)) (٤).

الوجه الثاني:- حث المسلم على العمل الصالح في الحياة الدنيا:- إن الخالق العظيم أعلم بمخلوقاتهِ -حتى من أنفسهم- فهو يعلم ما يصلحهم وما يفسدهم، وما يدفعهم إلى العمل، وما يبطئهم، ولما كان هذا الانسان - المسلم - يعلم أنّ هناك ثوابا وعقابا في زمنٍ معلوم وفي مكانٍ معلومٍ، فإنه بالتاكيد سوف يندفع إلى العمل الصالح وينتهي عن المنكرات، فلما كان ذلك من عقيدة - المسلم- الثواب والعقاب- فإن الأنسان العاقل سيبادر إلى الطاعة والعمل الصالح ويتجنب المعاصي والآثام.

فالله - جل جلاله- أخبرنا بطريق القران أو السنة أن هناك شفاعة لبعض الأعمال


(١) تفسير القرآن العظيم ١/ ٣٤٤.
(٢) انظر تخريجه برقم (٩١).
(٣) انظر تخريجه برقم (٥٦).
(٤) عُمدة القاري ١٧/ ١٧.

<<  <   >  >>