للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيا: ان هذا الحديث يراد به الذين يجتنبون فعل ذلك حال صحتهم خشية وقوع الداء ويستثنى منه من يستعمل الدواء بعد وقوع الداء، قاله طائفة من أهل العلم (١) وهذا مردود بما ثبت من الاستفادة قبل وقوع الداء (٢).

ثالثاً: ((يتحمل ان يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث من غفل عن احوال الدنيا وما فيها من الاسباب المعدة لرفع العوأرض، فهم لا يعرفون الاكتواء، ولا الاسترقاء وليس لهم ملجأ فيما يعتريهم إلا الدعاء والاعتصام بالله والرضا بقضائه)) (٣).

رابعاً: ان المراد بترك الرقي والكي: الاعتماد على الله في دفع الداء والرضا بقدرته لا القدح بجواز ذلك، لثبوت وقوعه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن مقام الرضا والتسليم اعلى من الاخذ بالاسباب -وهؤلاء هم خواص الأولياء- قال به الخطأبي (٤) والقاضي عياض والنووي. رحمهم الله جميعا. (٥)

ولا يرد على هذا القول أن يقال: ان النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك أو أقره، لان النبي يمتلك أعلى مقامات التوكل والعرفان وانما كان ذلك من باب التشريع، ومع ذلك فلا ينقص ذلك من توكله، لانه تام التوكل فلا يؤثر فيه تعاطي الاسباب شيئا (٦)، وقيل: ((إن حقيقة التوكل هو: ان لا يخالط القلب خوف غير الله تعالى من سبع أو عدو حتى يترك السعي في طلب الرزق ثقة بضمان الله تعالى له رزقه)) (٧)؟!!.

أقول: إن هذهِ المنزلة خاصة بجماعة معينة، وهؤلاء ليسوا بأفضل من غيرهم بصورة عامة بل يتفاوتون في ذلك فقد يكون ممن يحاسب من هو أفضل منهم، وفيمن يتأخر عن الدخول ممن تحققت نجاته، وعرف مقامه من الجنة فيشّفع في غيره من هو افضل منهم. وهم لا يكتوون على الرغم من اعتقادهم ان ذلك مباحٌ لمن اضطر له، أو مكروهٌ لمن لم يضطر له.

ولا يرقون ولا يسترقون البتة، وهم على ربهم يتوكلون ولا يتركون اتباع السنة في ابتغاء الرزق مما لابد له منه من مطعمٍ ومشربٍ وتحرزٍ من عدو بإعداد السلاح وإغلاق


(١) انظرما سبق.
(٢) انظر فتح الباري١٠/ ٣٦٠.
(٣) فتح الباري، ابن حجر ١٠/ ٣٦٠.
(٤) انظر ترجمته في ملحق الأعلام.
(٥) انظر شرح مسلم ٣/ ٩٠ - ٩١.
(٦) فتح الباري ١٠/ ٢٦٠ - ٢٦١ بتصرف.
(٧) شرح مسلم ٣/ ٩١ بتصرف.

<<  <   >  >>