للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متثاقلا عن مرافقته، غير قابل على التوجه معه إلى الحيّ، والمشاركة له في المشاق والأخطار، فأخذ يعظه بمثل هذا الكلام، إنْ قلت: إنّ الكلام لصاحبه، وإنْ قلت: أنه قطع الكلام عنه، وأخذ يخاطب نفسه، كأن الإنسان يجرد من نفسه مخاطَبا إقامة للمواجهة بالقول، وأحسن ما جاء فيه قول الصمة بن عبد الله القشيري من الحماسة (١): (من الطويل)

حنَنْتَ إلى رَيّا وَنَفسُكَ باعَدَت ... مَزارَكَ مِن رَيّا وَشَعباكَما/ مَعا ... [٥١ ب]

الأبيات، ولعمري إنّ السلامة في الخمول خير من العطب في المعالي، فما يفي الوصل بالصدود، وقال الشاعر (٢): (من الخفيف)

إنْ مدحتُ الخمولَ نبَّهتُ قوما غفْلا عنه سابقوني إليه

هو قد دلّني على لذة العيش فما لي أدلُّ غيري عليه

وقال أبو العلاء المعري (٣): (من الوافر)

ولو جرت النباهة في طريق ال ... خمول إليَ لاخترت الخمولا

وقد رضي بالخمول جماعة من الرؤساء الأكابر المتقدمين في العلم والمنصب، منهم: أبو السعادات بن الأثير، صاحب جامع الأصول، والنهاية في غريب الحديث، قال الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لمعاوية لمعاوية رضي الله عنه إنّ عليَّ ديناً فأوفوه وأنتم في جلٍّ من الخلافة، فأوفوا دينه، وترك لهم الخلافة، وقد فعل ذلك جماعة من الأعيان، قال بعض العارفين: أول ما نزع الله من قلوب العارفين حب الرياسة، قال إبراهيم الغزي (٤): (من مجزوء الكامل)

المجد سهل والطريـ ... ق إليه بالإجماع وعرُ

وقال ابن وكيع (٥): (من المتقارب)

لقد رضيت همتي بالخمول ... ولم ترض بالرتب العالية

وكن في مكان إذا ما وقعتَ تقومُ ورجلكَ في عافية

وهذا يشبه قول ابن رشيق (٦): (من المتقارب)


(١) ديوان الحماسة ٢/ ٦٠
(٢) الأبيات في الغيث المسجم ٢/ [٤٦ ب] لا عزو.
(٣) ديوان سقط الزند، ص ١٥٩.
(٤) البيت في الغيث المسجم ٢/ ٤٧
(٥) الأبيات في الغيث المسجم ٢/ ٤٧ ـ ٤٨
ابن وكيع التنيسي: الحسن بن علي بن أحمد بن محمد بن خلف أبو محمد الضبي التنيسي المعروف بابن وكيع الشاعر، أصله من بغداد ومولده بتنيس. له كتاب المنصف، بين فيه سرقات المتنبي. قال ابن رشيق في كتاب أبكار الأفكار: وهو أجور من سدوم. قلت: لأنه تحامل فيه على أبي الطيب كثيراً وهو خلاف التسمية، إلا أنه دل على أنه كان له اطلاع عظيم إلى الغاية، ولم يرض له بالسرقة من شاعر واحد، حتى يعد الجملة من الشعراء ذلك المعنى المسروق. وكان في لسانه عجمة، ويقال له العاطس، وتوفي بعلة الفالج سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة. الوافي بالوفيات، ص ٩٤٣٧ ـ ٩٤٣٨ (م).
(٦) ديوانه (م).

<<  <   >  >>