للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي حديث عياض بن حمار÷يقول _تعالى_ في الحديث القدسي: =وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم+ (١) .

قال ابن القيم×=وذكروا عن عكرمة، ومجاهد، والحسن، وإبراهيم، والضحاك، وقتادة في قوله_عز وجل_: [فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا] (الروم: ٣٠) قالوا: (فطرة الله) دين الإسلام (لا تبديل لخلق الله) قالوا: لدين الله+ (٢) .

ثم إن الإنسان مفطور على اللجوء إلى ربه_تبارك وتعالى_عند الشدائد، فإذا ما وقع الإنسان_أي إنسان_حتى الكافر الملحد_في شدة، أو أحدق به خطر_فإن الخيالات والأوهام تتطاير من ذهنه، ويبقى ما فطر عليه ليصيح بأعلى صوته، ومن قرارة نفسه، وعميق قلبه، منادياً ربه؛ ليفرج كربته وهمه، ويلجأ إليه وحده دون سواه (٣) .

وصدق الله_تعالى_إذ يقول: [فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ] (العنكبوت: ٦٥) .

وليس المراد بأنه يولد على الفطرة أنه يولد عالماً بأمور الإسلام؛ فالله_سبحانه وتعالى_يقول: [وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً] (النحل:٧٨) .

وليس المراد_أيضاً_أنه يولد ساذجاً لا يعرف شركاً ولا توحيداً؛ لأن الرسول"قال: =إلا ويولد على الملة+ وفي رواية: =على هذه الملة+.

بل المراد أن كل مولود يولد على محبته لفاطره، وإقراره له بربوبيته، وادعائه له بالعبودية، فلو خُلِّي وعدمَ المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره، كما أنه يولد على محبة ما يلائم بدنه من الأغذية، والأشربة، فيشتهي اللبن الذي يناسبه ويغذيه (٤) .


(١) مسلم ٤/٢١٩٧ برقم (٢٨٦٥) .
(٢) شفاء العليل، ص ٥٧٢_٥٧٣، وانظر درء تعارض العقل والنقل ٨/٣٧٦.
(٣) مستفاد من مذكرة للشيخ عبد الله الجاسر.
(٤) انظر شفاء العليل لابن القيم، ص٥٧٨_٥٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>