للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم من نفى صفة من الصفات الثابتة بالكتاب والسنة]

هذا الأمر يحتاج إلى تأنٍّ وتريث، ثم تفصيل.

فيقال: إن الذي ينفي صفة من الصفات الثابتة بالنصوص القطعية لا يخلو من أحد ثلاثة أحوال.

أحدها: أن يكون النافي عالماً بالنص الذي ثبتت به الصفة المنفية كتاباً كان أو سنة، ولا توجد لديه شبهات قد تغير مفهومه للنص وإنما نفى لعناده، وفساد قصده، ومرض قلبه، ومشاقته للرسول من بعد ما تبين له الحق.

فهذا كافر؛ لتكذيبه كلام الله أو كلام رسوله".

الثاني: أن يكون النافي مجتهداً في طلب الحق، معروفاً بالنصيحة والصدق ولكنه أخطأ وتأول: لجهله بالنص، أو لعدم علمه بالمفهوم الصحيح. فحكمه أنه معذور، وخطؤه مغفور؛ لأن نفيه ناتج عن تأويل، لا عن عناد وفساد قصد.

الثالث: أن يكون النافي متعباً لهواه، مقصراً في طلب الحق، متكلماً بلا علم، ولكنه لا يقصد مشاقة الرسول، ولم يتبين له الحق تماماً فحكمه أنه عاصٍ مذنب، وقد يكون فاسقاً.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ×: =وأما التكفير فالصواب أنه من اجتهد من أمة محمد"وقصد الحق فأخطأ لم يكفر، بل يغفر له خطؤه ومن تبين له ما جاء به الرسول فشاقَّ الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر. ومن اتبع هواه، وقصَّر في طلب الحق، وتكلم بلا علم فهو عاصٍ مذنب، وقد يكون فاسقاً، وقد تكون حسناته ترجح على سيئاته؛ فالتكفير يختلف باختلاف حال الشخص؛ فليس كل مخطىء، ولا مبتدع ولا جاهل، ولا ضال يكون كافراً، بل ولا فاسقاً، بل ولا عاصياً+ (١) .

وقال ×: =هذا مع أنني دائماً ومن جالسني يعلم ذلك مني أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير، وتفسيق ومعصية إلا إذا عُلِم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى. وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية، والمسائل العملية.


(١) مجموع الفتاوى ٢/١٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>