للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا لما سمع جبير بن مطعم÷رسول الله"يقرأ سورة الطور فبلغ قوله_تعالى_: [أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ] الآية وكان يومئذٍ مشركاً_قال: =كاد قلبي أن يطير، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي+.

رواه البخاري مُفَرَّقاً (١) .

ولهذا نجد أن الله_سبحانه وتعالى_يحث كثيراً في كتابه على التعقل والتبصر؛ ولا أدل على ذلك من كثرة الآيات التي تُخْتَمُ بمثل قوله: [أّّفّلا تّعًقٌلٍونّ] [لّعّلَّكٍمً تّعًقٌلٍون] ؛ لأن الإنسان إذا تفكر تذكر، وعرف الحق، وإذا تذكر خاف واتقى وانقاد.

ولهذا نجد أن العقلاء الجادين الباحثين عن الحق_يصلون إليه، ويوفقون له، وليس أدل على ذلك من حال العقلاء في الجاهلية أمثال قُس بن ساعدة الإيادي، وزيد بن عمرو بن نفيل والد سعيد بن زيد وعم عمر بن الخطاب÷فنحن نجد في ثنايا كلامهما الإقرار بوحدانية الله_عز وجل_مع أنهما يعيشان في مجتمع يعج بالجهل والشرك.

يقول قس في خطبته المشهورة التي ألقاها في سوق عكاظ: =أيها الناس اسمعوا وعوا، من عاش مات ومن مات فات، وكل ما هو آتٍ آتٍ، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تُزهر، وبحار تزْخَر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة، إن في السماء لخبراً وإن في الأرض لعبراً، ما بال الناس يذهبون فلا يرجعون؟ أرضوا في المقام فأقاموا؟ أم تركوا فناموا؟

يقسم قُسٌّ بالله قسماً لا إثم فيه أن لله ديناً هو أرضى له وأفضل من دينكم الذي أنتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكراً، ثم أنشأ يقول:

في الذاهبين الأوليـ **** ـن من القرون بصائر

لما رأيت موارداً **** للقوم ليس لها مصادر

ورأيت قومي نحوها **** يمضي الأكابر والأصاغر

لا يرجع الماضي إلـ **** ـي ولا من الباقين غابر

أيقنت أني لا محا **** له حيث صار القوم صائر

ويقول زيد بن عمرو في شعره المشهور:

وأسلمت وجهي لمن أسلمت **** له الأرض تحمل عذبا زلالا


(١) انظر صحيح البخاري، كتاب التفسير، ٦/٤٩_٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>