للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تأول الإمام ابن عبد البر وغيره حديث (خير القرون قرني) بأن قرنه إنما فُضّل؛ لأنّهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار، وصبرهم على أذاهم وتمسكهم بدينهم، وأن آخر هذه الأمة إذا أقاموا الدين وتمسكوا به، وصبروا على طاعة الله في حين ظهور الشر والفسق والهرج والمعاصي والكبائر كانوا عند ذلك أيضاً غرباء، وزكت أعمالهم في ذلك الوقت كما زكت أعمال أوائلهم، ويشهد له حديث مسلم عن أبي هريرة رفعه (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) (١).

قلت: والراجح - والعلم عند الله تعالى -: القول الأول: وهو تفضيل الصحابة مطلقاً على من جاء بعدهم، لأن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل، لمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما من اتفق له الذب عنه، والسبق إليه بالهجرة، أو النصرة، وضبط الشرع المتلقى عنه، وتبليغه لمن بعده، فإنه لا يعدله أحد ممن يأتي بعده، لأنه ما من خصلة من الخصال المذكورة إلا والذي سبق بِها مثل أجر من عمل بِها من بعده، فظهر فضلهم (٢).

وأجاب العلماء عن أدلة القول الثاني بما يلي: قالوا: حديث (أمتي مثل المطر .. ) إن المراد منه: من يشتبه عليه الحال في ذلك من أهل الزمان الذين يدركون عيسى بن مريم، ويرون في زمانه من الخير والبركة وانتظام كلمة الإسلام، ودحض كلمة الكفر، فيشتبه الحال على من شاهد ذلك، أي


(١) مراجع سابقة.
(٢) ابن حجر: مرجع سابق.

<<  <   >  >>