للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والسلام؛ لأنهم صفوة البشر اصطفاهم اللَّه وربّاهم، ثم أرسلهم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومع هذا ما بعث اللَّه من نبي إلا رعى الغنم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما بعث اللَّه نبيّاً إلاّ رعى الغنم) فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: ((نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة)) (١).

وفي رواية: قالوا: أكنت ترعى الغنم؟ قال: ((وهل من نبيٍّ إلاّ وقد رعاها)) (٢).

والحكمة من ذلك - واللَّه أعلم - أن اللَّه - عز وجل - يلهم الأنبياء قبل النبوة رعي الغنم؛ ليحصل لهم التمرين والتجربة برعيها على ما يُكلَّفُونه من القيام بأمر أمتهم؛ ولأن في مخالطتها ما يُحصِّل لهم الحلم والشفقة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أتاكم أهل اليمن هم أرقُّ أفئدةً وألين قلوباً. الإيمانُ يَمانٍ، والحكمة يمانية، والفخر والخيلاء في أصحاب الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم)) (٣)؛ ولأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفرقها في المرعى، ونقلها من مسرح إلى مسرح، ودفع عدوِّها من سبعٍ وغيره كالسارق، وعلموا اختلاف طبائعها، وشدّة تفرّقها مع ضعفها، واحتياجها إلى المعاهدة ألفوا من ذلك الصبر على الأمة، وعرفوا اختلاف طبائعهم وتفاوت عقولهم، فجبروا كسرها، ورفقوا بضعيفها، وأحسنوا التعاهد لها،


(١) البخاري، كتاب الإجارة، باب رعي الغنم على قراريط، برقم ٢٢٦٢.
(٢) البخاري، كتاب الأنبياء، باب يعكفون على أصنام لهم، برقم ٣٢٢٥، وكتاب الأطعمة، باب الكباث، برقم ٣٢٢٥، ومسلم في كتاب الأشربة، باب فضيلة الأسود من الكباث، برقم ٢٠٥٠، وهو النضيج من ثمر الأراك، انظر: شرح النووي، ١٤/ ٦.
(٣) البخاري، كتاب المغازي، باب قدوم الأشعريين وأهل اليمن، برقم ٤١٢٧، ومسلم في الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان، برقم ٥٢.

<<  <   >  >>