للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كُلِّفوا القيام بذلك من أوّل وهلة، لما يحصل لهم من التدريج على ذلك برعي الغنم، وخُصّت الغنم بذلك؛ لكونها أضعف من غيرها؛ ولأن تفرّقها أكثر من تفرق الإبل والبقر، لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها في العادة المألوفة، ومع أكثرية تفرّقها فهي أسرع انقياداً من غيرها (١).

ثم بعد رعيهم الغنم جرّبوا الناس، وعرفوا طبائعهم، فازدادوا تجارب إلى تجاربهم؛ ولهذا قال موسى - صلى الله عليه وسلم - لمحمد - صلى الله عليه وسلم - عندما فرضت عليه الصلاة خمسين صلاة في كل يومٍ ليلة الإسراء والمعراج: ((إنّ أمّتك لا تستطيع خمسين صلاة كلّ يومٍ، وإني واللَّه قد جرّبت الناس قبلك، وعالجت بني إسرائيل أشدَّ المعالجة، فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك ... )) فما زال النبي - صلى الله عليه وسلم - يراجع ربه ويضع عنه حتى أُمِرَ بخمسٍ صلواتٍ كل يوم (٢).

فموسى قد جرب الناس، وعلم أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أضعف من بني إسرائيل أجساداً، وأقلّ منهم قوةً، والعادة أن ما عجز عنه القوي فالضعيف من باب أولى (٣).

فالداعية بتجاربه بالسفر، ومعاشرته الجماهير، وتعرفه على عوائد الناس وعقائدهم، وأوضاعهم، ومشكلاتهم، واختلاف طبائعهم وقدراتهم، سيكون له الأثر الكبير في نجاح دعوته وابتعاده عن الوقوع في الخطأ؛ لأنه إذا وقع في خطأ في منهجه في الدعوة إلى اللَّه، أو أموره الأخرى لا يقع فيه مرة أخرى، وإذا خُدع مرة لم يخدع مرة


(١) انظر: فتح الباري، ٤/ ٤٤١، وشرح النووي على مسلم، ١٤/ ٦.
(٢) البخاري، كتاب مناقب الأنصار، باب المعراج، برقم ٣٦٧٤.
(٣) انظر: حاشية السندي على سنن النسائي، ١/ ٢٢٠، وفتح الباري، ١/ ٤٦٣.

<<  <   >  >>