للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أخرى، بل يستفيد من تجاربه وخبراته؛ ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يُلدغ المؤمن من جحرٍ واحدٍ مرتين)) (١)، وقال: ((كلّكم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون)) (٢).

وإذا أراد الداعية أن يكتسب الحكمة من التجارب، فلابد له - لإصلاح المتديِّنين وتوجيههم - أن يعيش معهم في مساجدهم، ومجتمعاتهم، ومجالسهم، وإذا أراد إصلاح الفلاحين والعمال عاش معهم في قراهم ومصانعهم، وإذا أراد أن يصلح المعاملات التجارية بين الناس، فعليه أن يختلط بهم في أسواقهم، ومتاجرهم، وأنديتهم، ومجالسهم، وإذا أراد أن يصلح الأوضاع السياسية، فعليه أن يختلط بالسِّياسيين، ويتعرَّف إلى تنظيماتهم، ويستمع لخطبهم، ويقرأ لهم برامجهم، ثم يتعرف إلى البيئة التي يعيشون فيها، والثقافة التي حصلوا عليها، والاتجاه الذي يندفعون نحوه؛ ليعرف كيف يخاطبهم بما لا تنفر منه نفوسهم، وكيف يسلك في إصلاحهم بما لا يدعوهم إلى محاربته عن كُرْهِ نفسٍ واندفاع عاطفي، فيحرم نفسه من الدعوة إلى اللَّه، ويحرم الناس من علمه (٣)، وهذا يؤهِّله إلى أن يُحدِّثَ الناس بما يعرفون، ولا يحدِّثهم حديثاً لا تبلغه عقولهم، قال علي - رضي الله عنه -: ((حدِّثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّبَ اللَّه


(١) البخاري، كتاب الأدب، باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، برقم ٥٧٨٢، ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، برقم ٢٩٩٨.
(٢) الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب حدثنا هناد، برقم ٢٤٩٩،وابن ماجه في الزهد، باب ذكر التوبة، برقم ٤٢٥١، والدارمي في الرقائق، باب التوبة، ٢/ ٢١٣، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي،٢/ ٣٠٥.
(٣) انظر: السيرة النبوية دروس وعبر، للدكتور مصطفى السباعي، ص٤١، والرياض الناضرة والحدائق النيرة الزاهرة، لعبد الرحمن السعدي، ص٨٨.

<<  <   >  >>