ذلك لأن هذا القدير يتم انطلاقا من بعض الثوابت في ذهننا التي قد تخفي علينا العيب في الدرع، أكان الأمر يتعلق بالسياسة أو الاقتصاد أو حتى الأدب.
إلا أن جهاز المراقبة عندنا - أعني في بنيتنا الذهنية الحالية- مصاب في هذا المجال بنقص نتقاسمه مع سائر الدول الإسلامية، لأننا، وإياهم في مرحلة من مراحل الانعطاف في تطورنا النفسي.
ولا بد من الاعتراف بأن فكرنا في هذا المنعطف يميل إلى إصدار أحكم كمية. فالميل إلى التضخيم يغلب على أحكامنا.
وبطريقة أكثر دقة، يجب أن نعترف بأن فكرنا - أي الفكر الإسلامي عامة في القرن العشرين- يعيبه خطأ في المقاييس: نحن نميل إلى المبالغة في تقدير نتائج (الأسباب الكبرى) وإلى الانتقاص من نتائج (الأسباب الصغرى)، بل وإهمالها.
إذا وضع أمام أعيننا فجأة قنبلة ذرية وحبة رمل، فإن أصابعنا تتجه ولا شك، إلى القنبلة الذرية وترد إلى أذهاننا الفكرة نفسها: هذا هو سلاح عدونا.
ولكن مصدق لم يحطم بقنبلة ذرية، بل ببضعة حبات من الرمل كانت في راحة يد (دالس).
إذن لا نحتاج لبذل أي مجهود تربوي، في سبيل إقناعنا بنتائج القنبلة اليدوية. فميلنا إلى التضخيم يحملنا بالطبع إلى المبالغة في تقديرها.
أما فيما يخص بإقناعنا بتأثير حبة الرمل، فيجب القيام ببرنامج تربية كامل. من سيعلمنا أن الانزلاق بقشرة موزة وضعت بمهارة تحت رجل شعب ما أشد خطرا من رؤية قنبلة ذرية تنجر فوق رأسه، كما جرى للشعب الياباني؟
إن ذهننا يجمع أمام الأحكام ذات البعد الميكروسكوبي؛ ولا بد أن نضيف هنا،