للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أن هذا الأمر لا يتفرد به الفكر الإسلامي. فالطبيب الألماني (كوخ) قاد صراعا امتد سنوات طويلة في القرن الماضي ليجعل جامعة برلين تقبل بوجود ميكروب السل.

ورغم ذلك، نحن نعلم مدى الضرر الذي يقوم به اليوم هذا الكائن الصغير في جسم الإنسان، وعلى الأخص بين الطبقات العاملة في المدن الصناعية. ولم يتعلم الهولنديون تقدير فظاعة الأضرار التي تحدثها الكائنات الصغيرة إلا بعد أن حلت بهم كارثة وطنية، عندما أتلف نوع من عثث الغابات جهازهم الدفاعي المنيع في الأراضي التي استصلحوها من البحر.

إذا كان إصبعنا يشير بشكل آلي إلى القنبلة الذرية، وإذا كان بصرنا لا يدرك حتى حبة الرمل، فهذا أمر بشري.

ولكن، هل علينا أن نبقى هكذا؟

إن ما يخيف على الأخص من عمل الاستعمار هو المستوى الميكروسكوبي. إذ يجب أن نخشاه حين يستعمل حبة الرمل أكثر مما نخشاه حين يستعمل القنبلة الذرية. لأن عمله حينئذ يفلت تماما من إطار مراقبتنا.

إن عمله حين يصبح صامتا، وخافتا، وغامضا، حينئذ تكون نتائجه أكبر لأنه يكون قد طغى على تيقظنا وجهاز دفاعاتنا على حين غرة.

إن الجسد الاجتماعي أشد عرضة لنتائج هذا العمل، مثلما يكون جسد الطفل أشد عرضة للتأثر بالميكروبات، لأنه لم يكتسب بعد المناعة الضرورية.

في الطب، ترتبط هذه الحالة بمقياسين، على المعالج أن يأخذهما بعين الاعتبار: التشخيص والعلاج، اكتشاف المرض وطريقة مداواته.

وفي علاج المجتمع، هناك أيضا مقياسان: يجب معرفة الداء ثم تحديد علاجه تحديدا دقيقا.

<<  <   >  >>