باريسية، على الرغم من أن إحدهما كانت تقدم في أعمدتها مواضيع استعمارية، في حين تقدم الأخرى في أعمدتها مواضيع بالطبع ضد الاستعمار.
الحيلة إذن ليست جديدة، والحرب الأيديولوجية ليست بنت يومها في بلدان العالم الثالث.
بالطبع لا ينبغي على تقنيي الصراع الأيديولوجي أن يقدموا فقط الورق ذا النوعية الجيدة، ليضمنوا نجاح الصحيفة (التقدمية) في بلد من بلدان العالم الثالث، بل تعطى كذلك نصوصا نثرية غاية في الرشاقة، تظهر على أعمدتها ممهورة بتوقيع واحد، مثل أحمد بن كبير، أي أحد أولئك الذين كان يطلق عليهم في هذا البلد منذ عشر سنين فقط اسم (الخادم ابن البلد).
ومن الطبيعي أنه إذا كان الورق يصل ويسلم في وضح النهار وبالسبل الطبيعية، فإن النصوص النثرية على النقيض من ذلك، تصل خفية بواسطة قنوات سرية إلى الصحيفة التي تحمل رسالة قيادة البلد، الذي ينتمي إلى العالم الثالث في طريق التقدم والتقدمية.
وبالطبع من السهل ملاحظة أن أحمد بن كبير هذا الذي يقدم لوطنه هذه البضاعة ممهورة بتوقيعه، لا يعرف دائما تمام المعرفة نوعية البضاعة التي يطلب منه تسليمها.
ولقد وجدت مرة أخرى البرهان على ذلك، لدى قراءتي لمقال حول اليمين، نشر في إحدى الصحف منذ عدة أسابيع. كان من الواضح أن ال (بن كبير) الذي ذيل هذا المقال بتوقيعه، لم يكن يعرف تاريخ اليمن. إنه يبدأ جيدا عرضه كمتخصص بتاريخ بلاد بلقيس في المرحلة المعاصرة؛ أي منذ تأسيس (الإمامة) في منتصف القرن السادس عشر. ثم يأتي التسلسل الزمني موسعا بطريقة طبيعية ومحكة.