لكن الحرب لا ينتصر فيها بالأسلحة المادية فقط، كالبندقية والمدفع أو حتى الطائرة. وأحيانا حتى يسيء للانتصار العسكري الكبير تقصير (نقص) على الصعيدين الأخلاقي والسياسي. هذا أمر يشهد عليه التاريخ منذ القدم.
بعد أن انتصر هنيبعل في (كان)، وصل إلى أبواب روما، فصاح مجلس في الشيوخ وقد اعتراه الهلع، صيحة الخوف التي لا تزال مدونة في كتب التاريخ:"هنيبعل على أبواب روما! ". ولكن ملذات (كابوا)(كامبانيا) التي تراخى فيها ضباط هذا الاستراتيجي العظيم، وتقصيرات مجلس الشيوخ القرطاجي، أنقذت روما التي انتهت، بأن محت قرطاجة من خريطة (الوجود)، كما هو معروف. ولكن هذه العوامل النفسية والاجتماعية والسياسية، تقوم بدور أكبر بكثير، في عصرنا الذي لا يتعلق فيه مصير الحرب بالجبهة فحسب، بل بالخطوط الورائية أيضا.
إن مصير روسيا القياصرة ومصير ألمانيا الإمبراطورية لم يحسما في نهاية الأمر على المستوى العسكري؛ بل على الصعيد النفسي والسياسي. وهذه الحقيقة تصبح حقيقة وواقعا، على الأخص بالنسبة لبلد يجابه الإمبريالية التي آخر ما تستعين به السلاح العسكري. فسلاحها الأساسي في بلدان الشرق الأوسط هو ملفها، الذي تسحب منه في اللحظة المناسبة (حين يحين الزمن) اسما مثل (تشومي) أو آخر مثل (باودال).
بملفها تحكم الإمبريالية العالم. منذ بضع سنوات، عندما أممت إحدى الدول العربية شركة من شركات البترول في أراضيها، أثار الدهشة وجود ملف في وثائق الشركة، يضم كل أسماء الأشخاص، الذين يمكن أن يخدموا أو يؤمنوا مصالحها في البلد. لاشك أن ملف الإمبريالية يجب أن يكون أكبر أهمية لكي يستطيع أن يساعدها في كل العمليات؛ في زمن الحرب، كما في زمن السلم، على الجبهة، كما في الداخل.