لم يَكُنْ في الْبَابِ شَيْءّ يَدْفَعُهُ، وهو الذي رَجَّحَهُ على الْقِيَاسِ، وَلَيسَ المُرَادُ بالضَّعِيفِ عِنْدَهُ الْبَاطِل وَلا الْمُنْكَر، وَلاَ ما في رِوَايَتِهِ مُتَّهَمٌ بِحَيثُ لا يَسوغُ الذَّهَابُ إلَيْهِ فَالْعَمَلُ بِهِ؛ بَلْ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ عنده قَسِيمُ الصَّحِيحِ، وقِسْمٌ من أَقْسَامِ الْحَسَنِ، ولم يَكُنْ يقسم الحديث إلَى صحِيحٍ وَحَسَنٍ وَضَعِيفٍ بَلْ إلَى صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ، وَلِلضعِيفِ عنده مَرَاتِبُ، فإذا لم يَجِدُ في الْبَابِ أَثَرًا يَدْفَعُهُ وَلا قَوْلَ صَاحِبٍ، وَلا إجماعًا على خِلاَفِه، كان الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَهُ أَوْلَى من الْقِيَاسِ.
وَلَيْسَ أحدٌ من الأَئِمَّةِ إلاَّ وهو مُوَافِقة على هذا الأَصلِ من حَيْثُ الجملَة، فإنه ما منهم أَحَد إلاَّ وقد قَدَّمَ الحديث الضعِيفَ على الْقِيَاسِ" (١).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"والضعيفُ عندهم نوعان: ضعيف ضعفًا لا يمتنعُ العملُ به؛ وهو يشبِهُ الحسن في اصطلاح الترمذي، وضعيف ضعفًا يُوجِبُ تركه؛ وهو الواهِ؛ وهذا بمنزلة مرض المريض قد يكون قاطعًا بصاحبه، فيجعل التبرع من الثلث، وقد لا يكون قاطعًا بصاحبه، وهذا موجود في كلام الإمام أحمد وغيره، ولهذا يقولون: هذا فيه لين، فيه ضعف، وهذا عندهم موجود في الحديث، ومن العلماء المحدِّثين أهل الإتقان، مثل: شعبة، ومالك، والثوري، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي؛ هم في غاية الإتقان والحفظ؛ بخلاف من هو دون هؤلاء.
وقد يكون الرجل عندهم ضعيفًا لكثرة الغلط في حديثه، ويكون حديثه إذًا الغالب عليه الصحة لأجل الاعتبار به والاعتضاد به، فإن تعدُّدَ الطُّرقِ وكثرتَها يقوِّي بعضَها بعضًا، حتى قد يحصل العلم بها، ولو كان الناقلون فُجَّارا فُسَّاقًا؛ فكيف إذا كانوا علماء عدولاً، ولكن كثر في حديثهم الغلط؟