للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومثل هذا: عبد الله بن لهيعة؛ فإنه من أكابر علماء المسلمين، وكان قاضيًا بمصر كثير الحديث، لكن احترقت كتبه، فصار يُحَدِّثُ من حِفْظِهِ، فوقع في حديثه غلطٌ كثيرٌ، مع أن الغالب على حديثه الصحة، قال أحمد: قد أكتبُ حديثَ الرجلِ للاعتبار به، مثل: ابن لهيعة.

وأما مَن عُرِفَ منه أنه يتعمَّد الكذبَ؛ فمنهم من لا يروي عن هذا شيئًا، وهذه طريقة أحمد بن حنبل وغيره؛ لم يروِ في "مسنده" عمَّن يُعرَف أنه يتعمَّدُ الكذبَ، لكن يروي عمَّن عُرِفَ منه الغلط، للاعتبار به والاعتضاد.

ومن العلماء من كان يسمعُ حديث من يكذبُ، ويقول: إنه يميِّزُ بين ما يكذبه وبين ما لا يكذبه، ويُذْكَر عن الثوريّ أنه كان يأخذُ عن الكلبي وينهى عن الأخذ عنه، ويذكر أنه يعرف.

ومثل هذا قد يقع لمن كان خبيرًا بشخص إذا حدَّثه بأشياء يميِّزُ بين ما صَدَقَ فيه وما كذَبَ فيه؛ بقرائن لا يمكنُ ضبطُها.

وخبر الواحد قد يقترن به قرائن تدل على أنه صدقٌ، أو تقترنُ به القرائن تدل على أنه كذب" (١).

وقال ابن رجب: "وقد قال البيهقي في بعض أحاديث كثير بن عبد الله المزني: إذا انضمت إلى غيرها من الأسانيد التي فيها ضعف قوتها.

وقال الشافعي في المرسل: إنه إذا استند من وجه آخر وأرسله من يأخذ العلم عن غير من يأخذ عنه المرسل الأول؛ فإنه يقبل.

وقال الجوزجاني: إذا كان الحديث المسند من رجل غير مقنع -يعني لا يقنع برواياته- وشد أركانه المراسيل بالطرق المقبولة عند ذوي الاختيار استعمل واكتفي به.


(١) "مجموع الفتاوى" (١٨/ ٢٥ - ٢٧).

<<  <   >  >>