للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من وقع نظره عليه من الأحداث وأولاد الجند والأمراء وغيرهم يحسن ظنه فيه، ويميل إليه، ولا يعود ينتفع به أهله، بل يلازمه ويقيم عنده، اعتقادًا فيه وميلًا إليه" (١).

ومع أن ظاهرة مصاحبة المُرد والأحداث والمخنثين كانت واضحة في العصور العباسية المتأخرة، فقد اشتدت في عصر المماليك، وذلك إثر قدوم طائفة من الأوبراتية التترية (٢)، المشهورين بالجمال سنة ٦٩٥ هـ = ١٢٩٥ م، وانتشارهم في مصر والشام، ومن ثم دخولهم في خدمة الأمراء المماليك، وتنافس أمراء المماليك في اقتناء صبيانهم وبناتهم، ومن تبقى من هؤلاء الأويراتية بعد ذلك انخرط في الجيش، وتفرقوا في الممالك لتنتشر معهم المفاسد، ووجدته جماعات من الصوفية فيهم ضالتهم، فبالغوا في إضفاء مشروعية صوفية على فعلتهم النكراء، وقد أورد لنا الشعراني -أحد كبار متصوفة القرن العاشر الهجري- خبر الصالح محمد بن عراقي، الذي كان لا يمكِّن ابنه عليًا من الخروج إلى السوق، حين كان أمرد، إلّا أن يُبَرقَع خوفًا عليه من السوء والفتنة (٣).

ولم يقف الأمر على المرد والأحداث بل تعداه إلى سواه من البهائم والحيوانات، فقد كان الشيخ الصوفي علي وحيش (ت ٩١٧ هـ/ ١٥١١ م) كثير الاعتداء على البهائم والأتن (٤).

لقد كان هذا الضرب من التصوف استهزاءً بالأديان، وبعدًا عن جادة الزهد والعبادة، وتهتكًا، حتَّى استحق صوفية القرون التالية للقرن السادس


(١) الدلجي: الفلاكة، ٧٢، ابن الفوطي: الحوادث الجامعة، ٣٢٥.
(٢) قبائل مغولية سكنت الجزء الأعلى من خط نهر Venessei بأواسط آسيا.
(٣) الشعراني: لواقح الأنوار، ٢/ ٢٥٧، زكي مبارك: التصوف، ١/ ٢٥٧.
(٤) الشعراني: الطبقات الكبرى، ٢/ ١٢٩ - ١٣٠.

<<  <   >  >>