للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم يَرِدْ لَنَا من الشَّرعِ في ذلك حتّى نُنيطَ الحُكَم بالأسباب الظَّاهِرَةِ، وقد بينَّا أنَّ اسمَ الصّوفِيّةِ حادثٌ بعدَ النبيّ والصَّحابةِ والتَّابعينَ وأتباعِ التَّابعين، والأصل في الأحكام الشّرعيّةِ أن تُنَاط بأمرٍ منضَبِط، وإنَّما يخرجُ عنْ هذا حيثُ طلبَ الشرعُ منَّا فِعلًا ووجدناهُ لا يرتبِطُ بأمرٍ مضبوطٍ، فننيطُ الحكمَ بأمرٍ يدلُّ على ذلك دلالةً طيِّبةً لأجلِ طلبِ الشّارعِ، ولم يَرِدْ في الشرعِ الوقفُ على الصُّوفيةِ ولا الوصيَّةُ لهُم. ولعلَّه حدثَ بعد انقراضِ الأعصارِ المبارَكةِ، وذهابِ أئمَّةِ الاجتهادِ، فلَا وقفتُ عليهِ لأحدٍ قبلَ الأربعِ مئة.

ثم إنَّ ما نربِطُه بهِ منَ الظَّاهرِ لا يرفَعُ التَّنازُع والاختلافَ لاضطرابِهِ، فبعضُهُم يقولُ: هذا القدرُ كافٍ، وبعضُهْم يقولُ: لا يكفي، بل لا بدَّ من اعتبار أمورٍ، وذلكَ مبطلٌ، كما إذا اضطربَ العُرفُ في مسائلِ الإِجارة والمساقاةِ، فإنَّه يجبُ البيانُ وإلّا بَطُلَ.

ومنْ ذلكَ مسألةُ الحبرِ، هلْ هُوَ على النَّاسخِ أم لَا؟ وشَبَهُه.

ومن صحَّ في غالبِ الأوقاتِ، هل المرادُ اللَّيلُ أو النهارُ، أو الليلُ والنهارُ، والجزمُ بواحدٍ منها يحتاجُ إلى تحريرٍ، وهذا سببٌ يقتضي البُطلَانَ، فإنَّ القولَ بالبطلانِ متَّجهٌ (١)، وَهُو اختيارُ الشيخِ أبي محمّد الجُوَيني (٢) وبعضِ الحنفيَّةِ.

وبعض الحنفيَّةِ أيضًا يقولُ: إنَّ الأوصافَ التي ينطبِقُ علَيْها اسمُ


(١) متجه أي له وجه.
(٢) أبو محمد الجويني: هو عبد اللَّه بن يوسف بن عبد اللَّه الجويني (ت ٤٣٨ هـ)، والد إمام الحرمين، ولد في جوين، له معرفة بالأصول والنحو والفقه والتفسير والأدب، انظر، السبكي: طبقات، ٥/ ٧٣، ابن خلكان: وفيات، ٢/ ٢٥٠، الأشعري: تبيين كذب، ٢٥٧، ابن كثير: البداية والنهاية ٢/ ٥٥.

<<  <   >  >>