للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالَ السُّهروردي عن هذه الطَّائِفَةِ: إنَّ منهمْ منْ كانَ يكتسِبُ، ومنهمْ منْ كانَ يسألُ، وجعلَ ذلكَ بحسبِ الحالِ، واستقصاءُ ذلكَ يطولُ.

فهذا الكلامُ على تفصيلِ ما فصَّلَ، وقدْ بينَّا بُطلانَهُ منْ جهةِ الاستدلالِ من حيثُ النَّقلُ فهوَ مخالِفٌ لِمَا في كُتبِ الأحكامِ لطَوائفِ فُقَهَاء الحُكَّامِ، الذينَ نَصُّوا على المسألةِ والسَّلام.

وقدْ استَدَلَّ بعضُهم على أَنَّ الغنيَّ لا يمنع، فحديثُ الأغنياء حَيْثُ جاءَ الفُقَراءُ إلى رسولِ اللَّهِ فقالَ: "ذَهَب أهلُ الدُّثورِ بالأُجورَ والدَّرجَاتِ العُلى والنَّعيمِ المقيمِ" (١). -الحديث- فقالَ المُستَدِلّ: الغني يحصُلُ الثَّوابُ والفَضْلُ ونحوُه ممَّا ذُكِرَ، واستدلالُهُ غيرُ متَّجِهٍ كأَنَّه ليسَ الكلامَ في أَنّ الغني يحصُلُ بهِ الخيرُ أم لَا؟ ولا أَنَّهُ نَقْصَ في الشخصِ ولَا أَنَّ غيرَهُ أفضلُ منهُ. وإنّما الكلامُ، أَن هذا الاسمَ الذي هو التصوفُ يُنافِيهِ الغِنى أم لَا؟ . فإن الوقفَ على الصُّوفيّ يُشعِرُ بالفَقْرِ من حيثُ العُرفُ.

فإنَّه يقصِدُ بالوقوف على الصُّوفِيَّةِ إعانتَهُمْ على التَخلِّي لِلعبادةِ، فيكفيهم المُؤُونةَ المحوجةَ إلى الكسب، وتعاطي الأسبابِ، ولا يمنعُ أن يكونَ غَيرُهم أعلمَ وأفضلَ وأكثرَ ثوابًا وأجزلَ، فَلَو وقفَ شخصٌ على الفُقَهاءِ صُرِفَ إلى مسلمِ بنِ خالدٍ الزّنجي (٢) والحجاجِ بنِ أرطاةَ (٣)، ولا يُصرفُ


(١) رواه مسلم رقم (١٠٠٦) في الزكاة: باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، وهو عند غيره من الأئمة أيضًا بألفاظ وروايات مختلفة، انظرها مع تخريجها في "جامع الأصول" (٩/ ٢١٨ - ٢٢١). (م).
(٢) هو مسلم بن خالد بن سعيد بن جُرْجةِ، من أهل الشام، وهو مولى لآل سفيان بن عبدِ الأسد المخزومي، فقيه، عابد، ت بمكة سنة ١٨٠ هـ، في خلافة هارون الرشيد, انظر، ابن سعد: الطبقات، ٥/ ٤٩٩, ٢/ ٣٠٧.
(٣) الحجاج بن أرطاة بن ثور بن شراحيل بن كعب مفتي الكوفة، من بحور العلم، وولي =

<<  <   >  >>