رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى من حجة الوداع وأقام بالمدينة بقية ذى الحجة والمحرم وصفر وضرب على الناس بعثا الى الشام وأمّر عليهم اسامة بن زيد بن حارثة مولاه وأمره النبى صلى الله عليه وسلم ان يوطئ الخيل تخوم البلقاء والدروم من أرض فلسطين وروى كثيرون ان النبي صلى الله عليه وسلم أمره ان يغير على ابنى صباحا وان يحرق وابنى هي القرية التى عند مؤتة حيث قتل أبوه زيد وانما أمره ليدرك ثأره وطعن ناس في أمارته لكونه مولى ولحداثة سنه وكان اذ ذاك ابن ثمانى عشرة سنة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ان تطعنوا في أمارته فقد كنتم قبل تطعنون في أمارة أبيه من قبل وأيم الله ان كان لخليقا للامارة وان كان لمن أحب الناس اليّ وان هذا لمن أحب الناس الىّ بعده
[ذكر تجهيز جيش أسامة بن زيد إلى الشام]
رواه البخارى وروى ابن اسحق عن رجاله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم استبطأ الناس في بعث أسامة بن زيد وهو في وجعه فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر وقد كان وهو ابن ستين سنة وأخرى وهو ابن خمس وستين وهما متواليان فرواية الستين اقتصر فيها على العقود وترك الكسر ورواية الخمس والستين حصل فيها اشتباه وقد أنكر فيها عروة على ابن عباس ونسبه الى الغلط وانه لم يدرك أول النبوة ولا كثرت صحبته بخلاف الباقين واتفقوا على ان اقامته بالمدينة كانت عشر سنين وبمكة قبل النبوة أربعين سنة الا ما حكي عياض عن ابن عباس وسعيد بن المسيب انها كانت ثلاثا وأربعين وهى رواية شاذة وانما اختلفوا في قدر اقامته بمكة بعد النبوة وقبل الهجرة والصحيح انه ثلاث عشرة سنة كما مر عند ذكر قصيدة أبي قيس بن الاسلت صرمة بن أبي أنس (بعث بعثا الى الشام) أى لقتال الروم وكان أمير الروم يومئذ شرحبيل بن عمرو الغساني ذكره البلاذري (تخوم) بضم الفوقية والمعجمة أي جوانب (البلقاء) بالمد (والدروم) بضم المهملة والراء (فلسطين) بكسر الفاء وفتح اللام وسكون السين وكسر الطاء المهملتين ثم تحتية ساكنة ثم نون وهى بلاد بيت المقدس وما حولها (يغير) بضم أوله رباعي (أبنى) بهمزة مضمومة فموحدة ساكنة فنون مفتوحة مع القصر قال ابن الاثير اسم موضع من فلسطين بين عسفان والرملة ويقال انها يبنى بالتحتية بدل الهمزة (ثأره) بالمثلثة والهمزة وقد يسهل (فطعن) بفتح العين في الماضي والمستقبل معا ان أريد الطعن المجازى فان أريد الحقيقى ضم العين في المستقبل على المشهور (ناس) وللبخاري بعض الناس والطاعن هذا هو عباس بن أبي ربيعة المخزومى أفاده البلاذرى (ابن ثماني عشرة سنة) وقيل ابن عشرين (لخليقا) بالمعجمة والقاف أى حقيقا و (وللامارة) ولمسلم بلا مرة بكسر الهمزة وسكون الميم وهما لغتان وفي الحديث جواز امارة العتيق وتقديمه على الغير وتولية الصغير وتولية المفضول على الفاضل للمصلحة وفضيلة ظاهرة لاسامة وأبيه زيد (رواه البخاري) ومسلم والترمذي وغيرهم عن ابن عمر (عن رجاله)