وبعد أن مدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم وتوسل إليه بدأ في مناجاته وعرض حاجاته ابتداء بقوله:
يا أكرم الخلق ما لي من الوذ به ... سواك عند حلول حادث العمم
ففي هذه المجموعة من الأبيات يناجي البوصيري الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام بأن يكون شفيعه عند رب العرش العظيم. ويلاحظ أن حاجة البوصيري التي عبر عنها في هذه الأبيات أمر يخصه هو شخصيا وليس هناك من مأخذ في هذا على الإمام البوصيري، فالإنسان هو المسئول عن عمله وهو الذي يجازي به، وبعد مناجاة الرسول يخاطب الإمام البوصيري نفسه في لحظة لا شعورية هائما محاولا أن يزيل عنها اليأس والقنوط لأن رحمة الله قد وسعت كل شيء، وفي هذا تقرب إلى الله سبحانه وتعالى ورجاء أن يغفر ذنبه مهما عظم ثم يستمر في التضرع إلى الله سبحانه وتعالى والرجاء أن يلطف به في الدنيا والاخرة وأن يصلي على رسوله دائما وأبدا فهو الشفيع له في خلقه.
ويختتم الإمام البوصيري قصيدته بأعذب مناجاة وأخلص رجاء يطلبه المحب العاشق لحبيبه ومعشوقه، والحبيب هنا هو المصطفى صلّى الله عليه وسلّم والمحب هو الإمام البوصيري، فيرجو الله أن يصلي على رسوله صلاة دائمة في كل الأوقات.
ويلاحظ أن البوصيري قد بدأ هذا الجزء الخاص بالمناجاة بتعبير (يا أكرم الخلق) ولكن نجد هذا الاستهلال في مراجع أخرى واردا بتعبير (يا أكرم الرسل) وان كنت أميل إلى التعبير الأول ففيه الشمولية التي يريدها البوصيري لتعظيم مكانة الرسول صلّى الله عليه وسلّم ورفع شأنه وتمهيد للاستعانة به والتوصل إلى الله سبحانه وتعالى.
أما الملاحظة الثانية فهي أن هناك أبيات قال البعض عنها أنها سقطت من البردة، ويؤكدون انتسابها للإمام البوصيري بعد أن روجعت النسخ المحفوظة في كثير من دور الكتاب وهذه الأبيات تبدأ بقوله: -
يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنا ... واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم