معه فيقول له بتعبير رقيق فيه الرجاء (لا تأخذني) ولا هنا الناهية، والغرض من النهي طلب العفو، ولو قال لا تأخذني كنهى حقيقي لوضع نفسه بمكان الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ولكنه هنا يضع نفسه في مكان صغير وضعيف نسبة إلى مكانة الرسول صلّى الله عليه وسلّم ثم يؤكد للرسول بعد ذلك براءته من أي ذنب عاقبه عليه.
ويبلغ كعب بن زهير في هذه الأبيات الثلاثة درجة عالية في دقته، فهو على الرغم من وصفه للناقة في واحد وعشرين بيتا لم يبلغ في دقة التعبير فيها ما بلغه في تلك الأبيات الثلاثة التي اختصت بطلب الأمان فهو مركزّ، دقيق التعبير، دقيق في اختيار اللفظ الموحي، الذي يدل دلالة ليس فيها صدق المعنى وصدق الاحساس فحسب، بل فيها الرهبة الشديدة تجاه الرسول وصدق الايمان الذي فاجأه برؤية الرسول صلّى الله عليه وسلّم بسماته وبهيبته التي دخلت قلب كعب حتى أنه تقدم وطلب الأمان ولا ريب أن هذه الأبيات هي مناط قوله للقصيدة ككل، ففيها حاجة كعب من الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وفيها طلبه للأمان الذي أعطاه إياه الرسول صلّى الله عليه وسلّم قبل دقائق معدودة من إلقائه للقصيدة أمام الرسول صلّى الله عليه وسلّم وكان محور القصيدة وأساسها هو هذه الأبيات الثلاثة، وعلى أساسها بنى كعب كل قصيدته التي لم يقلها إلا رغبة في حسن الأثر عند الرسول صلّى الله عليه وسلّم فما كان من عادة العرب أن يمدحوا العظيم بأبيات قلائل، فما بالنا بالرسول صلّى الله عليه وسلّم وهو اخر الأنبياء والرسل، وقد جاءه فطحل من كبار شعراء العرب وكان قد وصلت إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم أبيات منحولة عليه يسبه فيها فماذا يفعل هذا الشاعر إلا أن يقف ويستعرض بلاغته وقدرته الشعرية في أبيات كثيرة، ولكنه عندما يعرض حاجته عند الرسول الكريم وهي طلب العفو عنه فهو بكل صدق وبكل عمق وبكل رغبة في الأمان يطلبها في ثلاثة أبيات فقط لتكون مركزة تركيزا شديدا.
٧- الجهاد في سبيل الله:
في هذا الجزء كتب كل من الشعراء الثلاثة بقدر علمه وبقدر معايشته للإسلام، فمنهم من لم يدرك إلا غزوة أو بعض غزوات ككعب بن زهير، أما