قصر الخديوي إسماعيل الذي يرى من ألوان الثراء والنعيم والرغد ما لم يره شاعر غيره، وبهذا نجد أنه ينهج منهجا وسطا بين بدوية كعب وماديته، وبين روحانية وتصوف الإمام البوصيري الذي لا يرى إلا أخيلة ولا يحب من الدنيا إلا ما تستمتاع به حواسه العليا من فكر وتصوف ورغبة في المطالعات، ويتخذ شوقي من خلال المنهجين منهجا أقرب ما يكون إلى المنهج الإسلامي الكامل الذي لا يعتمد على الماديات الصرفة أو على الروحانيات الخالصة فهو يحدثنا عن هذه المحبوبة حديث الإنسان المحب تجاه الأنثى المحترمة التي يعالج منها الروح والجسد كإنسانة.
٢- في الوصف والحكمة:
يبدأ كعب بن زهير الجزء الخاص بالوصف والحكمة بأن يدعى أن سعاد سافرت إلى أرض بعيدة نائية لا يصلها إلا من له ناقة قوية كريمة الأصل، ويبدأ بوصف هذه الناقة حتى لا يكاد يعجز في وصفها. وأنا اعتقد أن سعاد في هذه القصيدة ما هي إلا رمز لنفس كعب الضالة التائهة بعد أن أهدر الرسول صلّى الله عليه وسلّم دمه وأن هذه الناقة الكريمة ذات الصفات العجيبة ما هي إلا الإسلام الذي إذا امن به كعب وكان له نجاة من القتل فما الناقة إلا وسيلة الوصول إلى مبتغاه وما سعاد إلا نفسه التي بعدت عنه بعد اهدار دمه، وبهذا نجد كعب بن زهير يصف الناقة وصفا سبق أن دكرناه أنها ناقة عجيبة. ومما يؤكد قولنا أنه ينهي وصف الناقة بأبيات في الحكمة تبين أنه متأكد من أنه إن لم يسلم وإن لم يعتذر عن اساءته للرسول صلّى الله عليه وسلّم فإنه مقتول بكل تأكيد وهو يقطع كل العلاقات السابقة التي لم تستطع أن تحميه فيقول لرفاقه: خلوا سبيلي، اتركوني. فكل إنسان سيموت في يوم ما ... ثم ينتقل بعد ذلك إلى مدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
أما الإمام البوصيري فهو يتناول الحكمة والتخوف من كل مباهج الحياة وهو يركز في ذلك على مبدأ أخلاقي أساسي يلخصه في بيت واحد (كم حسنت لذة للمرء قاتلة ... أن السم في الدسم) .