وإلى جانب القوة العسكرية والعلم والمعرفة تميز الخلفاء المسلمون بالكرم الوافر والعناية بالعمران لتعمير الأرض فلم يكن بأرضهم أرض مجدبة لا تنتج ولا كان في ملكهم فقير معدم. فخيرهم عم الأرض ومن عليها من بشر.
وهكذا من خلال تلك الأبيات وعددها أحد عشر بيتا يعلى شوقي من قيمة وأصالة الحضارة الإسلامية، ويسمو بها على كل الحضارات السابقة فهي حضارة دنيا ودين وروح ومادة قامت على أساس من سنن الله سبحانه وتعالى، فأما الحضارات الاخرى فقد قامت على بعد واحد اهتم بالجانب المادي لذلك انتهت ولم تبق سوى هياكلها، فأما الحضارة الإسلامية فهي حضارة باقية لأنها تقوم على أساس قوي وهو شريعة الله، وتتضح من المقارنة التي عقدها شوقي في خلال هذه الأبيات ثقافته الإنسانية والمامه بالحضارات القديمة وتوغله في أبعادها ورؤيته الخاصة لها، ودفاعه عن الحضارة التي ينتمى إليها روحا ووجدانا وعقلا وهي الحضارة الإسلامية العظيمة التي جمعت بين المادة والروح وكانت موجهة للإنسانية جمعاء وليست كتلك الحضارات التي كانت مسخرة لخدمة وتمجيد الملوك والقياصرة فحسب.
١٠- الخلفاء الراشدون:
لم يتناول كعب بن زهير في قصيدته (البردة) مدحا أو اطراء لأحد من الخلفاء الراشدين وذلك لأن الخلافة لم تكن وقتها بل كان الخلفاء ضمن الفئة المؤمنة التي امنت بالرسول، وانما أشار إليهم حينما عرض لمدح المسلمين المجتمعين حول الرسول صلّى الله عليه وسلّم في المسجد في قوله: -
في عصبة من قريش قال قائلهم ... ببطن مكة لما أسلموا زوالوا