ونكتشف أن شوقي قد استفاد ممن سبقه في كتابة المدائح النبوية وممّن نهج نهج بردة البوصيري مثل البارودي وغيره وقد حاول بموهبته الكبيرة أن يتفوق عليهم من حيث بساطة الوصف ومن حيث المقابلة الشديدة «فمحمد صفوة الباري ورحمته.. وصاحب الحوض يوم الرسل سائلة حتى الورود» أي أنه هو الذي يملك كل شيء بأمر الله، وهو المقدّم في الكون حتى على الأنبياء الذين اختارهم الله، على جبريل صاحب الوحي وأمينه. إن اختيار شوقي للألفاظ في هذا الجزء يؤكد أنه وصل إلى درجة راقية جدا في اختيار أقل الألفاظ غرابة وأبسط الألفاظ معنى، وذلك ليصل المعنى لكل سامع لهذه القصيدة، فلعل هدفه الرئيسي هو نشر هذه القصيدة على السنة العامة قبل الخاصة وبين بسطاء المسلمين قبل علمائهم.
٤- مولد الرسول (صلّى الله عليه وسلّم) ووصف المسلمين من حوله: -
لم يتناول كعب غرض الوصف لمولد الرسول صلّى الله عليه وسلّم فهذا الغرض لم يسبق للجاهليين أو المخضرمين أمثال كعب التطرق إليه، فهو لم يكن يعرف بالتفصيل كيف ولد الرسول الكريم ولم يكن قد استقر هذا الوصف في أذهانهم وطرأ عليها ولم يكن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد سمح بالكتابة في مثل ذلك على الرغم من تأصل هذه الدلالات والاشارات والبشائر بميلاد الرسول صلّى الله عليه وسلّم وما صحبه من ايات إلهية وأحداث كونية لا يعلمها ولا يقوم بها إلا الله سبحانه وتعالى (تنبيها لعباده وإشارة لهم بخلق جديد كان معلوما منذ عهد أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وتحقق في هذا اليوم بخلق سيد الخلق أجمعين) فكعب لم يكن قد تعمّق في الإسلام ولم يكن قد تعرف تعرفا جيدا على ملامحه وأصوله ومع ذلك فقد جاء كعب إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم ليمنحه السلام والأمان فلما منحه الرسول صلّى الله عليه وسلّم بغيته أنشأ يقول القصيدة وهو لم يترك عبادة الأصنام إلا في لحظته وساعته فلم يرتب ولم يقصد إلى مدح الرسول صلّى الله عليه وسلّم من خلال ميلاده وإنما من خلال مجلسه في المسجد ومن حوله رجال الاسلام فركز على مدح الرسول ومدح المسلمين ولم يصف ميلاد