بسيطا يمزجه بوصف عذري يصفها به، فيقول: أنها أسمح الناس خلقا، وأنها تجعله يسهر الليل ظنا، وأن في قلبه جرح دام منها، ويطلب من لائمه في الهوى ألا يعذله ولا يلومه، فهو لم يجرب المعاناة مثله.
وبالقراءة المتأنية للغرض من الغزل عند الشعراء الثلاثة نجد أن شوقي قد اتخذ مكانا وسطا بين الشاعرين الكبيرين السابقين له، فهو لم يسرف في التعرض للجوانب الحسية مثل كعب، فلم يذكر الأرادف أو الخصور وغيرها من المفاتن الجسدية للأنثى وكذلك.
عندما تعرض للجوانب النفسية والوجدانية التي تعرض لها الأمام البوصيري كان بلا استغراق كامل في الوجد، وقد اتخذ شوقي أسلوبا يبين من خلاله تكامل حبه، فهو لا يحب مجهولا كما أحب البوصيري، ولا يحب محسوسا كما أحب كعب، وإنما يحب امرأة لا يبغي أن يعرض بها، فلم يذكر اسمها، وهو لا يحب وهما أو سرابا كالإمام البوصيري، وإنما يضع لنا صفات خاصة بها واستعارات عن مكانتها ومكانة عائلتها، كما نجد أن شوقي كان أنجح الثلاثة في هذا المضار، فقد أحب المرأد جسدا وروحا، بينما أحب كعب فيها الجسد والإمام البوصيري قد أحب الروح، ونجد كذلك أن هذا الفتى العربي الذي قال قصيدته في لحظة اسلامه كان متشبعا بسلوك الجاهلية بما فيه من مجون وعدم اهتمام بالأعراض وعدم تقديره للحب العذري، أما الإمام البوصيري فهو ابن مجتمعه الذي صار المذهب الغالب فيه هو المذهب الصوفي بكل أشكاله الروحية المفرطة في الخيالات البعيدة عن الحس وهو في نفس الوقت ابن لحظته التي كتب فيها القصيدة إذ هو مصاب (بفالج) لا يتحرك من فراشه، ثم يحلم هذا المصاب برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو حلم صادق يسمع فيه قصيدته فيتعفف أن يذكر فيها ما يجرح حياءه أمام الرسول الكريم صلّى الله عليه وسلّم.
أما شوقي فهو ابن مجتمعه وابن ثقافته الإسلامية وغير الإسلامية فهو دارس لتاريخ العرب ولا شعارهم ومتأثر بشعر المتنبي وأبي نواس وغيرهما من شعراء العصر العباسي وهو دارس للاداب الأوروبية، وهو ابن مجتمع راق، فهو ربيب