البوصيري وأحمد شوقي في قصيدتيهما البردة، ونهج البردة، ونعرض هنا نماذج من الغزل التي جاء بها كل منهم في قصيدته.
ونبدأ بكعب بن زهير في قصيدته (بانت سعاد) فهو يبدؤها بالتشبيب بسعاد، فيصفها وصفا حسيا يبدأ من الوجه مرورا بسائر أعضاء والأنوثة ومظاهرها، ثم ينتقل إلى أسلوب هذه المحبوبة في الدلائل والأعراض والاقبال إذ هي لا تعطيه قرارا بالوصل ولذا فهو حائر تجاه عواطفها. هي مقبلة عليه أم مدبرة عنه وفي كلا الأمرين هو فاقد الأمل في وصالها إذ لا يستطيع أن يظهر بين العرب وقد أحل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دمه، ومن هنا نستطيع أن نقول أن الغزل الذي بدأ به كعب غزل حسي مبني على المادة والأغراض المادية التي يبحث عنها كل رجل يميل إلى تحقيق رغباته الحسية وهو بعيد تمام البعد عن المواقف العذرية، على عكس الإمام البوصيري الذي لم يبدأ قصيدته بالغزل الحسي المكشوف الذي تطرق له كعب وإنما بنوع من الغزل المحتشم الذي يركز فيه على الصفات الروحية والعاطفية في محبوبته وليس على صفاتها الحسية. فهو يذكر عينيها، لم تمتنعا عن البكاء من شدة الحب، وإن الوجد قد أضناها وأن طيفها لا يفارقه ويطلب من العاذل أو اللائم في هواها إلا يعذله لأن حبها قد ملك نفسه.
ويستمر الإمام البوصيري في تمهيداته العاطفية، بلا تحديد لهذه المحبوبة من هي؟ وما شكلها؟ وما ملامحها؟ .. ولا يبين ولا يظهر من هذه الصفات شيئا، فلا يهمه من هذه الصفات إلا الدموع والبكاء واللائم العاذل، ولكنه يؤكد أن حبه عذري عفيف لا دخل للعلاقة الحسية فيه على عكس ما تعرض له كعب بن زهير.
أما أحمد شوقي فقد نهج منهجا متوسطا بين الشاعرين، فهو بين الحسية والعذرية، لا يظهر من هي المحبوبة، ولكنه تعرض تعرضا يسيرا لشكلها، فهي ناعسة الطرف، وهي كشمس الضحى، وهي متحلية بالحلي، وهي ساحرة، فهي حمراء الخد، فاتنة، وهو يصفها بأنها ذات حسب ونسب، فأبوها كالأسد في الغاب كناية عن مكانته. وشوقي هنا يتعرض لمحبوبته تعرضا حسيا