للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكر البخاري في ترجمة سالم بن أبي الجعد أنه سمع أنساً (١) ، مع أن ابن المديني لم يذكر إلا الرؤية فقط، فهذه قرينة تضاف على ما تقدم.

وقال ابن المديني: (زياد (٢) لقي سعداً عندي وكان كبيراً) (٣) ، واستخدم لفظ اللقاء في مواضع أخر عديدة (٤) .

وتأثر البخاري بأستاذه وشيخه على بن المديني لا يخفى على فطن، فإذا كان علي بن المديني يرى أن اللقاء يكفي للاحتجاج بالسند المعنعن فغالب الظن أن البخاري كذلك يرى مثل ما يراه شيخه لاسيما إذا أخذنا بعين الاعتبار كل ما تقدم من شواهد.

ومما يؤيد - بل يكاد يقطع - بأن مذهب البخاري وابن المديني في الاحتجاج بالحديث المعنعن اشتراط اللقاء أو السماع ما نقله الإمام مسلم عندما حكى قول خصمه فقال: (وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام على الحكاية عن قوله، والإخبار عن سوء رويته، أن كل إسناد لحديث فيه فلان عن فلان، وقد أحاط العلم بأنهما قد كان في عصر واحد، وجائز أن يكون الحديث الذي روى الراوي عمن روى عنه قد سمعه منه وشافهه به. غير أنه لا نعلم له منه سماعاً، ولم نجد في شيء من الروايات أنهما التقيا قط، أو تشافها بحديث أن الحجة لا تقوم عنده بكل خبر جاء ي المجيء، حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا من دهرهما مرة فصاعداً، أو تشافها بالحديث بينهما، أو يرد خبر فيه بيان اجتماعهما وتلاقيهما مرة من دهرهما فما فوقهما) (٥) .

ولعل قائلاً يقول: إذا كان البخاري يكتفي للإحتاج بالحديث المعنعن بمجرد اللقاء فلماذا استخدام لفظ "السماع" ولم يستخدم لفظ "اللقاء" في مثل قوله: "فلان سمع فلاناً وفلاناً"، وفي نقده للأحاديث التي لم يثبت فيه السماع


(١) التاريخ الكبير (٤/١٠٧) .
(٢) زيادة هو ابن علاقة.
(٣) العلل لابن المديني (ص٦٧) .
(٤) انظر مثلاً العلل (ص٤٥، ٤٦، ٤٨، ٦٠، ٦١، ٦٣، ٦٤، ٦٦، ٦٨) .
(٥) مقدمة صحيح مسلم (١/٢٩) .

<<  <   >  >>