للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثاني

العلم والمعاصرة

هذا هو الأمر الثاني الذي ذكره مسلم في قوله: (إن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار، والروايات قديمًا وحديثًا، أن كل رجل ثقة روى عن مثله حديثًا، وجائز ممكن له لقاؤه، والسماع منه، لكونهما جميعًا كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا، ولا تشافها بكلام؛ فالرواية ثابتة والحجة بها لازمة ... ) (١) .

ولا يكتفي أن تكون المعاصرة محتملة بل لابد من تحقق ثبوتها والعلم بها، ويدل على ذلك أمران:

الأول: أن مسلمًا قال: (وزعم القائل الذي افتتحنا الكلام على الحكاية عن قوله، والإخبار عن سوء رويته، أن كل إسناد لحديث فيه فلان عن فلان، وقد أحاط العلم بأنهما قد كانا في عصر واحد ... أن الحجة لا تقوم عنده بكل خبر جاء هذا المجيء، حتى يكون عنده العلم بأنهما قد اجتمعا من دهرهما مرة فصاعدًا ... ) (٢) .

والملاحظ هنا أنه نص على أن "العلم قد أحاط بأنهما كانا في عصر واحد"، والذي رده المخالف هو المذهب الذي نصره مسلم واختاره.

فأفاد هذا النص الصريح من كلام مسلم أنه لابد من العلم بالمعاصرة.

الثاني: ذكر مسلم بأن أهل المعرفة بالحديث صححوا أسانيد لا يثبت فيها لقي التابعين للصحابة الذين رووا تلك الأحاديث وساق أمثلة من تلك الأسانيد، وفي جميع هذه الأسانيد التي ذكرها مسلم كانت المعاصرة ثابتة بيقين.

ومن ذلك قوله: (وهذا أبوعثمان النهدي وأبورافع الصائغ، وهما ممن أدرك الجاهلية وصحبا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من البدريين هلم جر، ونقلا عنهم


(١) مقدمة صحيح مسلم (١/٢٩-٣٠) .
(٢) مقدمة صحيح مسلم (١/٢٩) .

<<  <   >  >>