من أصعب الأمور على النفس أن تختار بين أمرين كلاهما حسن. كما هو الحال في ترجيح رأي أحد الإمامين في هذه المسألة، ولكن لابد مما لابد منه، وكلا الرأيين قد قال بهما أئمة كبار، فقد نصر جمع من الأئمة والعلماء رأي الإمام البخاري، كما نصر جمع من الأئمة والعلماء رأي الإمام مسلم، فلا جناح على باحث عن الحق إن رجح أحد الرأيين لأسباب يراها صالحة لترجيح إحدى كفتي الميزان.
ولا يصح ظن البعض أن ترجيح رأي يستلزم القدح والتنقص من الرأي الآخر. وذلك لأن الترجيح هنا في واقع الأمر بين جيد وأجود، وقوي وأقوى، وليس بين رأي قوي وآخر ضعيف، أو رأي جيد وآخر ساقط.
ولا يؤثر في مكانة الإمامين البخاري ومسلم - رحمهما الله - قدح قادح لأن اسميهما قد حفرا في ذاكرة التاريخ، وسكنت محبتهما قلب كل مسلم متتبع لصحيح السنة النبوية، فمن تنقص أحدهما فقد آذى نفسه، ومن قدح في أحدهما كان حقًا على أهله أن يداووه.
فكلاهما في مكانة رفيعة وعالية، غير أنهما ليسا بمعصومين من الخطأ. كما قال الإمام مالك:"كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر - صلى الله عليه وسلم - ".
وينبني الترجيح على تحديد الإجابة عن سؤالين مهمين:
الأول: ما هي مواطن القوة في الرأيين؟
الثاني: هل كل حديث لا يثبت اللقاء في سنده يترك الاحتجاج به عند من يرجح اشتراط اللقاء؟
الإجابة عن السؤال الأول:
أ - مواطن القوة في رأي البخاري:
١- إن أدلته أقوى من أدلة مسلم كما ظهر في مناقشة أدلة مسلم -