للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له قد عرف بالاستقراء من صنيعه فلا مشاحة فيه) (١) .

وبما نقل عن الحافظ ابن حجر يتضح مقصده أن البخاري لا يخرج في كتابه في الأصول إلا ما توفر فيه أعلى شروط الصحة، ولا يخفى أن مدار أعلى الصحة ليس على ثبوت اللقاء فقط بل لابد مع ذلك، من تمام العدالة، وكمال الضبط، والسلامة من الشذوذ والعلة.

فكلام ابن حجر حول شروط البخاري في صحيحه وأنها أعلى شروط الصحة لا يدل على اشتراط ثبوت اللقاء فقط، وإنما يدل كلامه على أن عبد الله بن صالح وإن كان البخاري انتقى من حديثه ما يعلم صحته إلا أنه لم يعتمده فيما يخرجه من الأصول في "صحيحه" لأنه متكلم فيه فهو ليس على شرطه في كتابه "الصحيح"، ولا يشك أحد في أن البخاري قد اعتنى جدًا بكتابه فلم يذكر فيه إلا أصح الصحيح وترك من الأحاديث الصحيحة الكثير لم يخرجها في كتابه لذا قال الإسماعيلي أثناء كلامه على المعاصرين للبخاري ممن صنف في السنن: (ومنهم مسلم بن الحجاج، وكان يقاربه في العصر، فرام مرامه، وكان يأخذ عنه, أو عن كتبه، إلا أنه لم يضايق نفسه مضايقة أبي عبد الله، وروى عن جماعة كثيرة، لم يتعرض أبوعبد الله للرواية عنهم، وكل قصد خيرًا، غير أن أحدًا منهم لم يبلغ من التشديد مبلغ أبي عبد الله) (٢) .

ثم قال الشيخ أبوغدة: (وعلى قول الحافظ ابن حجر الذي علقته آنفًا، وفيه قوله: " ... بل هذا شرط في أصل الصحة عند البخاري ... " يكون البخاري قد وافق علي بن المديني في المسألة.

وعلى ذلك: فيتجه على البخاري النقد الشديد الذي وجهه مسلم إلى علي بن المديني، لاتفاقهما في المسألة على قول الحافظ ابن حجر، فتأمل.

ويزيد الأمر توقفًا وتأملاً في كلام الحافظ ابن حجر نقل تلميذه الحافظ البقاعي في كتابه "النكت الوفية" لكلام الحافظ ابن كثير - السابق ذكره -، وإقراره عليه، وإغفاله كلام شيخه ابن حجر الذي خطأ فيه من فرق بين مذهب علي بن


(١) هدي الساري (ص٤٣٥) .
(٢) هدي الساري (ص١٣) .

<<  <   >  >>