للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثقة حجة يلزم به العمل. ثم أدخلت فيه الشرط بعد فقلت: حتى نعلم أنهما قد كانا التقيا مرة فصاعدًا أو سمع منه شيئًا، فهل تجد هذا الشرط الذي اشترطته عن أحد يلزم قوله؟ وإلا فهلم دليلاً على ما زعمت.

فإن ادعى قول أحد من علماء السلف بما زعم من إدخال الشريطة في تثبيت الخبرة، طولب به، ولن يجد هو ولا غيره إلى إيجاده سبيلا) (١) .

وقال في موضع آخر: (وما علمنا أحدًا من أئمة السلف، ممن يستعمل الأخبار ويتفقد صحة الأسانيد وسقمها، مثل أيوب السختياني وابن عون ومالك بن أنس وشعبة بن الحجاج ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ومن بعدهم من أهل الحديث، فتشوا عن موضع السماع في الأسانيد كما ادعاه الذي وصفنا من قبل.

وإنما كان تفقد من تفقد منهم سماع رواة الحديث ممن روى عنهم إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس في الحديث وشهر به فحينئذ يبحثون عن سماعه في روايته. ويتفقدون ذلك منه كي تنزاح عنهم علة التدليس.

فمن ابتغى ذلك من غير مدلس على الوجه الذي زعم من حكينا قوله، فما سمعنا ذلك عن أحد ممن سمينا، ولم نسم من الأئمة) (٢) .

الدليل الثاني: قال مسلم: (فيقال له: فإن كانت العلة في تضعيفك الخبر وتركك الاحتجاج به إمكان الإرسال فيه، لزمك أن لا تثبت إسنادًا معنعنًا حتى ترى في السماع من أوله إلى آخره.

وذلك أن الحديث الوارد علينا بإسناد هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة فبيقين نعلم أن هشامًا قد سمع من أبيه وأن أباه قد سمع من عائشة كما نعلم أن عائشة قد سمعت من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد يجوز إذا لم يقل هشام في رواية يرويها عن أبيه: سمعت أو أخبرني أن يكون بينه وبين أبيه في تلك الرواية إنسان آخر أخبره بها عن أبيه، ولم يسمعها هو من أبيه لما أحب أن يرويها مرسلاً ولا يسندها إلى من سمعها منه.


(١) مقدمة صحيح مسلم (١/٣٠) .
(٢) مقدمة صحيح مسلم (١/٣٢-٣٣) .

<<  <   >  >>