للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحقيقة أنه لا يسلم لمسلم - رحمه الله - الاستشهاد بهذا الحديث لاختلاف الرواة فيه، ولأن شعبة بن الحجاج أحد كبار الأئمة رواه مرسلاً، وقد قال مسلم: (والمرسل من الروايات في أصل قولنا، وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة) (١) ، وهذا لا يتفق مع ما ذكره من أن جميع الأسانيد التي استشهد بها صحيحة عند أهل العلم، ولا يعلم أنهم وهنوا شيئًا منها!.

وبما تقدم من مناقشة للدليل الثالث ظهر لنا أن مسلمًا استشهد بستة عشر إسنادًا وجدنا خمسة منها السماع فيها ثابت بين التابعي والصحابي، ووجدنا خمسة منها قد رويت من طرق أخرى صحيحة عن نفس الصحابي الذي استشهد مسلم بسنده، ووجدنا كذلك خمسة من تلك الأسانيد لمتونها شواهد قوية، ووجدنا سندًا واحدًا مختلفًا في وصله وإرساله، وقد بينت في ثنايا المناقشة لتلك الأحاديث أنه لا يسلم لمسلم - رحمه الله - استدلاله بهذه الأسانيد على قوة مذهبه في السند المعنعن إما لثبوت السماع، وإما لأن أحاديث تلك الأسانيد محفوظة وثابتة من جهات أخرى بمتابعة تامة أو بشواهد قوية.

القسم الثاني: مناقشة الأدلة التي ذكرها بعض المؤيدين لمسلم:

الدليل الرابع: ملخص ما ذكره الشيخ المعلمي في هذا الدليل أن الأصل في الرواية أن تكون عما شاهده الراوي، لاسيما في عصر السلف إذ كان الناس مشمرين للقاء أصحاب نبيهم.

وغالب السلف كانوا يزورون الحرمين بل كثير منهم كان يزور الحرمين كل عام فاحتمال السماع، قوي، ويكون أقوى إذا كان الراوي والمروي عنه في بلد واحد.

كما أن الإسناد كان شائعًا في عهد السلف مع أنهم أهل تثبت واحتياط، ثم لم يكن الإرسال الخفي شائعًا بل هو أقل شيوعًا من التدليس.

وفي هذا الكلام نظر لما يلي:

١- كلام المعلمي - رحمه الله - فيه تعميم شديد، فهو يطلق أحكامه السابقة على عصر بأكمله، ومن شدة التعميم في كلامه - رحمه الله - أنه لم يحدد


(١) مقدمة صحيح مسلم (١/٣٠) .

<<  <   >  >>