في القصة المشهورة التي رواها أبو حامد أحمد بن حمدون القصار قال:(سمعت مسلم بن الحجاج، وجاء إلى البخاري، فقبل بين عينيه، وقال: دعني أقبل رجليك. ثم قال: حدثك محمد بن سلام، حدثنا مخلد بن يزيد الحراني أخبرنا ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في كفارة المجلس، فما علته؟
قال محمد بن إسماعيل: هذا حديث مليح، ولا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا حديثًا غير هذا الحديث الواحد في هذا الباب، إلا أنه معلول، حدثنا به موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب حدثنا سهيل عن عون بن عبد الله قوله.
قال محمد: وهذا أولى، فإنه لا يذكر لموسى بن عقبة سماع من سهيل فقال له مسلم: لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أنه ليس في الدنيا مثلك) (١) .
فقبول مسلم لتعليل البخاري دلالة على أنه رضي مذهب البخاري في اشتراط اللقاء، فكأنه رجع عما قاله في مقدمة صحيحه - الذي جزم أبو غدة بأن مسلمًا ألفها قبل كتابه "الصحيح" وبأنه فرغ منه قبل أن يلقي البخاري ويلازمه -، فيكون إقرار مسلم ومدحه للبخاري مع علمه بأن ما قاله مخالف لمذهبه دلالة على تقويته لمذهب البخاري في الحديث المعنعن، ويلزم من ذلك التسليم برجحان مذهب البخاري!!
وهذا الإلزام إنما ذكرته لأبين أن الإلزام الذي ذكره الشيخ أبو غدة ليس بأقوى من هذا لمن تأملهما.
وفي ختام هذا الفصل يظهر لنا أن جميع الأدلة التي احتج بها مسلم وغيره من العلماء على أن المعاصرة كافية لاتصال السند المعنعن، لا تسلم من نقاط ضعف فيها، تؤثر في اعتمادها والأخذ بها، وقد بينت في المبحث الثاني أوجه المعارضة وعدم القبول لكل دليل.