للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والفرق بين القولين: أن الفريق الأول لا يعد السند متصلاً إلى بثبوت السماع أما لو أن الراوي رأى أو جالس من روى عنه؛ فلا يحكم بمجرد ذلك على أن السند متصل.

وأما الفريق الثاني فتوسع في الحكم على السند المعنعن بالاتصال، ولا يقتصر في ذلك على ثبوت السماع، بل يعد اللقاء والاجتماع بين الراوي ومن يروي عنه - ولو لم يأتِ ما يثبت السماع بينهما - صالحين للحكم بالاتصال أيضاً.

فيكون المذهب الثاني أوسع من المذهب الأول من حيث الحكم بالاتصال على الأسانيد المعنعنة.

فإلى أي الفريقين يقف البخاري؟

رجح ابن رشيد أن مذهب البخاري هو اشتراط السماع فقال: (ولقد كان ينبغي من حيث الاحتياط أن يشترط تحقق السماع في الجملة لا مطلق اللقاء. فكم من تابع لقي صاحباً ولم يسمع منه وكذلك من بعدهم، وينبغي أن يحمل قول البخاري وابن المديني على أنهما يريدان باللقاء السماع، وهذا الحرف لم نجد عليه تنصيصاً يعتمد، وإنما وجدت ظواهر محتملة أن يحصل الاكتفاء عندهما باللقاء المحقق وإن لم يذكر سماع. وأن لا يحصل الاكتفاء إلا بالسماع، وأنه الأليق بتحريهما والأقرب إلى الصواب. فيكون مرادهما باللقاء والسماع معنى واحداً) (١) .

ولكن ابن رجب يخالف ابن رشيد إذ يقول: (فدل كلام أحمد، وأبي زرعة، وأبي حاتم على أن الاتصال لا يثبت إلا بثبوت التصريح بالسماع، وهذا أضيق من قول ابن المديني والبخاري، فإن المحكي عنهما: أنه يعتبر أحد أمرين: إما السماع وإما اللقاء، وأحمد ومن تبعه عندهم لابد من ثبوت السماع) (٢) .

والذي يترجح لي أن الصواب ما قاله الحافظ ابن رجب، فقد رأيت في كلام الإمام البخاري إثبات سماع بعض الرواة ممن يروون عنهم لأنهم رأوهم، وهذا


(١) السنن الأبين (ص٣٣) .
(٢) شرح علل الترمذي (١/٣٦٧) .

<<  <   >  >>