الظهر ركعتين أسر فيهما بالقراءة وكان يوم جمعة؛ فدل أن المسافر لا يصلي جمعة ثم أقام فصلى العصر ركعتين أيضاً ومعه أهل مكة وصلوا بصلاته قصراً وجمعاً بلا ريب ولم يأمرهم بالإتمام ولا بترك الجمع، ومن قال إنه قال لهم: أتموا صلاتكم، فإنا قوم سفرٌ فقد غلط فيه غلطاً بينا ووهم وهما قبيحاً، وإنما قال لهم ذلك في غزوة الفتح بجوف مكة حيث كانوا في ديارهم مقيمين انتهى.
(تنبيه) : السنة أن يقيم بنمرة يوم عرفة إلى الزوال ثم يسير منها إلى بطن وادي عرنة بالنون ويصلي هناك الظهر والعصر جمعاً وقصراً ويخطب بهم الإمام في حدود عرفة ببطن عرنة وهو موضع المسجد الآن، وهذا هو الذي يدل له حديث جابر، وأما عبارة المنتهى وشرحه كالإقناع فإنها تقتضي أن السنة الإقامة بنمرة إلى الزوال والصلاة جمعاً بها وأنها من عرفة، ولكن حديث جابر صريح في أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل الظهر والعصر من يوم عرفة بنمرة، وإنما أقام صلى الله عليه وسلم بنمرة إلى الزوال فقط ثم ارتحل وسار منها إلى بطن وادي عرنة فصلى هناك الظهر والعصر جمعاً وقصراً ببطن عرنة وهي ليست من عرفة كما في الحديث (وارفعوا عن بطن عرنة) كما أن نمرة ليست من عرفة بطريق الأولى، لأنها غربي عرنة بالنون من جهة الحرم وتقدم ذلك ولكن أعدناه للتأكيد وإزالة الإشكال الذي وقع فيه الفقهاء ومؤلفو المناسك، والله أعلم.
قال ابن القيم رحمه الله: فلما فرغ صلى الله عليه وسلم من صلاته الظهر والعصر ركب حتى أتى الموقف فوق في ذيل الجبل عند الصخرات واستقبل القبلة وجعل حبل الماشة بين يديه وكان على بعيره، فأخذ في الدعاء والتضرع والابتهال إلى غروب الشمس وأمر الناس أن يرفعوا عن بطن عرنة وأخبر أن عرفة لا تختص بموقفه ذلك، بل قال (وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف) وأرسل