للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدل الكسائي بالقياس على النصب؛ لأن المنصوب بعد الفاء جاء فيه ذلك كقوله تعالى: {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} ١ وبالسماع قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فلا يقربنَّ مسجدنا يُؤذِنا بريح الثوم"، وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض"، وقول أبي طلحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تشرفْ يُصبْك سهمٌ".

وأجيب بأن القياس على المنصوب لا يحسن؛ لأن النصب بعد الفاء يكون في النفي ولا جزم فيه.

وأما السماع فمحمول على إبدال الفعل من الفعل مع أن الرواية المشهورة "يؤذينا" و"يضرب" -بالرفع- ويحتمل أن يكون يضرب بعضكم على الإدغام نحو: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ} ٢.

تنبيه:

شرط الجزم بعد الأمر بتقدير إن تفعل، كما أن شرطه بعد النهي بتقدير إن لا تفعل فيمتنع الجزم في نحو: "أحْسِن إليّ لا أحسن إليك" فإنه لا يجوز: "إِنْ تُحسنْ إليّ لا أحسن إليك" لكونه غير مناسب، وكلام التسهيل يوهم إجراء خلاف الكسائي فيه.

والأمرُ إِنْ كَانَ بِغَيْرِ افْعَلْ فَلا ... تَنْصِبْ جَوَابَهُ وجَزْمَهُ اقْبَلا

إذا دل على الأمر بخبر بفعل ماض أو مضارع أو باسم فعل أو باسم غيره جاز جزم الجواب اتفاقا، كقولهم: "اتقي الله امرؤٌ فَعَلَ خيرا يُثَبْ عليه"، وقوله تعالى: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، يَغْفِرْ لَكُمْ} ٣، وقول الشاعر٤:


١ سورة طه ٦١.
٢ من الآية ٢٨ من سورة الحديد، وسورة نوح ١٢.
٣ من الآية ١١، ١٢ سورة الصف.
٤ قائله: هو عمرو ابن الإطنابة الخزرجي -والإطنابة اسم أمه، واسم أبيه: زيد بن مناة- وهو من الوافر.
وصدره:
وقَوْلي كُلما جَشَأتْ وجَاشَتْ
اللغة: "جشأت" ثارت ونهضت من فزع أو حزن، والضمير للنفس "جاشت" فزعت وغلت من حمل الأثقال كما تغلي القدر "تحمدي" يحمدك الناس. =

<<  <  ج: ص:  >  >>