للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلة ذلك أنك إذا بدأت بكل كنت قد بنيت النفي عليه، وسلطت الكلية على النفي وأعملتها فيه, وذلك يقتضي ألا يشذ عنه شيء.

أما إن قدم النفي على أداة العموم لفظا، كقول أبي الطيب:

ما كل ما يتمنى المرء يدركه ... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن١

أو تقديرا بأن قدمت أداة العموم على الفعل المنفي وأعمل فيها، كقولك: كل الدراهم لم آخذ، توجه النفي إلى الشمول خاصة دون أصل الفعل، وأفاد الكلام نفي المجموع "سلب العموم" فيحتمل ثبوت البعض، كما يحتمل نفي كل فرد، يدل على ذلك الذوق والاستعمال، وهذا الحكم أكثري، وليس بكلي، بدليل قوله تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} ٢، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ ٣ فَخُورٍ} ٤، {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} ٥. إلى غير ذلك.


١ وفي رواية يشتهي بالياء، والسفن بفتح فكسر، أي: ربان السفينة.
٢ سورة البقرة الآية: ٢٧٦.
٣ يرى أستاذنا الإمام الشيخ محمد عبده أن مثل هذا من عموم السلب لا من سلب العموم حيث قال: قد يعدل بحسب الظاهر عما يدل على عموم السلب إلى ما يفيد سلب العموم والسلب عام بحسب الحقيقة, تعريضا بأن المخاطب شر هذا النوع فالمعنى في هذه الآية أن محبة الله لا تعم المختالين الفخورين حتى تشمل هؤلاء, فلو تعقلت محبته بمختال فخور لم تتعلق بأولئك؛ لأن مختالهم وفخورهم شر مختال وفخور، وهكذا باقي الآي التي جاءت على النمط.
٤ سورة لقمان الآية: ١٨.
٥ سورة القلم الآية: ١٠.

<<  <   >  >>