للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث السابع: في تقسيم التشبيه باعتبار الوجه إلى مجمل مفصل]

فالمجمل هو الذي لم يذكر فيه وجه الشبه، وهو قسمان:

١- ظاهر يفهمه كل أحد كأن يشبه الشيء إذا استدار بالكرة في وجه والحلقة في وجه آخر، وكقوله:

إنما الدنيا كبيت ... نسجته العنكبوت

٢- خفي لا يعرف المقصود منه ببديهة السمع، بل يحتاج إلى تأويل كقول كعب بن معدان الأشعري في وصف بني المهلب "هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها"، فهذا يحتاج إلى فضل تأمل ورفق، ولا يفهمه إلا من ارتفع عن طبقة العامة ودخل في عداد الخاصة.

ومن المجمل ما ذكر معه وصف المشبه به، كقول زياد الأعجم:

وإنا وما تلقي لنا إن هجوتنا ... لكالبحر مهما تلق في البحر يغرق

أو وصفهما معا، كقول أبي تمام يمدح الحسن بن رجاء:

ستصبح العيس بي والليل عند فتى ... كثير ذكر الرضا في ساعة الغضب

صدفت عنه ولم تصدف مواهبه ... عني وعاوده ظني فلم يخب

كالغيث إن جئته وافاك ريقه ... وإن ترحلت عنه لج في الطلب١

فقد وصف المشبه، أعني الممدوح، بأن عطاياه فائضة عليه، أعرض أو لم يعرض، ووصف المشبه، أعني الغيث، بأن يصيبك, جئته أو ترحلت عنه، والوصفان دالان على وجه الشبه، أعني الإفاضة، في حالتي الطلب وعدمه، وحالتي الإقبال عليه والإعراض عنه.

والمفصل ما ذكر٢ فيه وجه الشبه أو ذكر فيه مكان الوجه أمر يستلزمه فالأول نحو:

يا هلالا يدعي أبوه هلالا ... جل باريك في الورى وتعالى

أنت بدر حسنا وشمس علوا ... وحسام حزما وبحر نوالا

والثاني كقولهم للألفاظ إذا وجدوها لا تثقل على اللسان ولا تبعد دلالتها على معانيها, وهي كالعسل حلاوة، وكالماء سلاسة، وكالنسيم رقة.

والجامع في الحقيقة لازم الحلاوة، وهو ميل الطبع ولازم السلاسة والرقة، وهو نشاط النفس وانتعاشها.


١ العيس أبل أبيض. والليل أي: سيره، وصدفت أعرضت، والريق من كل شيء أفضله وترحلت تباعدت، ولج تمادى. وقد تركنا ما ذكر معه وصف المشبه فقط لعدم الظفر له بمثال عربي مسموع.
٢ على جهة التمييز أو الجر بفي.

<<  <   >  >>